تالشي الكلمة وصعود الصورة
بــعــد أن ســقــط األدب الـــبـــرجـــوازي، تـــصـــدرت الصورة الشعبية (اإللـكـتـرونـيـة) املشهد الثقافي واالجتماعي وتــخــطــت الــرقــابــات الـتـقـلـيـديـة بـشـكـل لــيــس لــه مثيل، أصــبــحــت ســيــدة املـــوقـــف فـــي صــيــاغــة ثــقــافــة املجتمع الـيـوم وبشكل غير مسبوق، وهــذه الـصـورة تبدو أكثر تأثيرا في تشكيل الوعي الجمعي من أي وقـت مضى، خصوصا مع سيادة أدوات التواصل االجتماعي على مــفــردات الــوعــي الـثـقـافـي واســتــيــاء هــذه األدوات على الحيز األكبر من وقت اإلنسان السعودي. ويعد املجتمع السعودي أكثر املجتمعات تـداوال لهذه الصورة بعدما حوربت أو حضرت اجتماعيا بشكل أو بآخر في معظم مراحل التطور االجتماعي، بل وقامت القيامة عند ظهور الفضائيات وكـامـيـرات الجواالت، حيث ظل ينظر لهذه التقنية الجديدة بارتياب ووجل شديد لكن الزمن قال كلمته ومضى، وأصبح من يطارد هذه التقنيات ويصارعها باألمس هو أكثر من يحاول توظيفها واالستفادة من تقنياتها في خدمة مشاريعه وأفكاره اليوم. النسق االجتماعي والثقافي املحلي الراكد أصبح فجأة يعتمد كليا على رمـزيـة الـصـورة الثابتة أو املتحركة واملـتـداولـة فـي أدوات الـتـواصـل االجتماعي خصوصا «الــواتــســاب» والــتــي بـلـغ مــدى تـأثـيـرهـا ونـفـوذهـا حدا ال يــوصــف وهـــو مـــا يــتــجــاوز ربــمــا مــئــات الخطابات والخطب. هذه الصورة التي قمعت من أساسها لم يحسب حسابها بــعــد أن كـــان الــحــذر والــتــوجــس مـنـصـبـا عــلــى الكلمة وبصورة لم يكن ألحد أن يتوقعها حتى تاشى معها دور الكلمة ذاتها وفشلت كل الرقابات العامة ورقابات الــجــمــاعــات فـــي الـــحـــد مـــن تـــداولـــهـــا وتــشــكــيــل الوعي الــعــام إزاءهـــــا والـــوصـــول مــن خـالـهـا لـصـاحـب القرار بسرعة صاروخية تـجـاوزت آلـيـات املعامات وتقاليد الخطابات، حتى أصبحت تشكل اليوم سلطة اجتماعية بحد ذاتـهـا، وهــي مرشحة لــدور أكبر ألنها غير قابلة للنفي أو الطعن كما الحال مع شقيقتها الكلمة.