Okaz

القضية الفلسطينية.. ضمير العالم ووجدانه

- د. طالل صالح بنان talalbanna­n@ icloud.com

فـي الـوقـت الــذي تتراجع فيه القضية الفلسطينية فـي سلم أولــويــا­ت املنطقة، بل حتى عند بعض الفلسطينين­ي أنفسهم؛ نتيجة ما يعتري املنطقة من تطورات غير تقليدية مستعرة فرضها واقع عنيف وغير مستقر، نجد أن القضية الفلسطينية ما زالت تفرض حقيقتها األخالقية واإلنسانية على ضمير العالم، ووجدانه الحر. يـوم الخميس املاضي وقـف املـنـدوب اإلسرائيلي في جلسة ملنظمة اليونسكو أكــدت فيها إنكار أحقية اليهود في مدينة القدس، طالبًا في نهاية كلمته الوقوف دقيقة صمت على أرواح ما زعم من ستة ماليني يهودي راحوا ضحية املحرقة املزعومة، التي ارتكبها النازي أثناء الحرب الكونية الثانية! انبرت مندوبة كوبا لهذا التجاوز من قبل املندوب اإلسرائيلي لبروتوكول العمل في داخل املنظمة، وملحاولته الخبيثة لتسييس املسألة، قائلة: إنه ال يحق للمندوبني أن يطلبوا الوقوف دقيقة صمت، وإن ذلك فقط من حق رئيس اللجنة. ومن ثم طلبت باملقابل: الوقوف دقيقة صمت على أرواح الفلسطينين­ي الذين سقطوا نتيجة االحتالل اإلسرائيلي.. وما كان من الحضور إال أن وقفوا.. وضجت القاعة بالتصفيق. موقف يعكس مـدى الرسوخ األخالقي والتجذر اإلنساني في ضمير العالم ووجــدان اإلنسانية للقضية الفلسطينية. موقف املندوبة الكوبية هذا ما كان يفوت على املندوبني العرب، أيام كانت القضية الفلسطينية، بحق، هي القضية املركزية للعرب، بل وللعالم الحر. أما اآلن، وقد توارت القضية الفلسطينية، في سلم أولويات النظام العربي الرسمي، ال يستبعد أن بعض املندوبني العرب الحضور في تلك الجلسة استجابوا، بوعي أو من غير وعـي، لطلب املندوب اإلسرائيلي لتأبني ضحايا ما يسمى بالهولوكوس­ت! وأنهم بالتأكيد: أصيبوا بالحرج من موقف مندوبة كوبا، ولم يكن أمامهم سوى االستجابة لطلبها بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الفلسطينين­ي، الذين سقطوا وروت دماؤهم الطاهرة أرض فلسطني املرابطة، ألكثر من 70 عامًا، من االحتالل الصهيوني لفلسطني. هذا التصرف الواعي (العالي املهنية) ملندوبة كوبا في اليونسكو، يثبت جليًا التفوق األخالقي واإلنساني والِقيِمي للقضية الفلسطينية، بما يفوق اهتمام أصحابها بها.. ويهدم الفرضية السائدة في كثير من األوساط السياسية، في املنطقة والعالم، القائلة: إن القضية الفلسطينية هي قضية فلسطينية بامتياز! وأن العالم ليس له إال أن يقبل بما يقبل به الفلسطينيو­ن، أو بعضهم، نتيجة ملفاوضات مباشرة وغير متكافئة مع الصهاينة. كما أن هذا املوقف من مندوبة كوبا في اليونسكو يؤكد التزام العالم السياسي واألخالقي بالقضية الفلسطينية، حتى لو اضطر أصحابها للتنازل عن بعض استحقاقاته­ا؛ فالقضية الفلسطينية لن يقبل العالم بأن تختزل لتصبح قضية صراع محدود بني الفلسطينين­ي واإلسرائيل­يني. إذا كــان لــلــدول ولـأنـظـمـ­ة السياسية قــراراتــ­هــا الـتـي تعكس مصالحها املـتـغـيـ­رة غـيـر الثابتة، فــإن لضمير العالم ووجــدانــ­ه، املتمثل فـي خـيـارات الشعوب وإرادتــهـ­ـا الـحـرة، ثوابته األخالقية والوجدانية واإلنسانية، التي ال يستقيم استقرار العالم وسالمه، إال باحترامها ووضعها بني حساباته. قد ال يكون من قبيل املصادفة أن يأتي تصرف مندوبة كوبا في اليونسكو، املعبر عن وجدان اإلنسانية وضميرها تجاه القضية األخالقية األولى في عالم اليوم، متزامنًا مع سلوك آخر حدث في الوقت نفسه وله عالقة مباشرة بالقضية نفسها، إال أنه يعكس منطق الــدول ومصالحها؛ إذ في األسبوع نفسه، قام رئيس وزراء الهند مارنديرا مودي بأول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلسرائيل. تطور نوعي في عالقات إسرائيل الدولية واإلقليمية، ال شك في أهميته السياسية واإلستراتي­جية إلسرائيل. الهند بتاريخها الحافل بدعم القضية الفلسطينية يزور رئيس وزرائها إسرائيل ألول مـرة، دون أن يفكر في زيـارة رام الله، حتى لو «صوريًا» من باب الدعم التاريخي لقضية الشعب الفلسطيني، الذي طاملا حظيت به من الهند «صديقة» الفلسطينين­ي والعرب! مثل هذه السلوكيات الرسمية، التي يبدو أنها تطور في صالح «شرعنة» وجود الدولة العبرية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، هو ما شجع املندوب اإلسرائيلي في اليونسكو أن يحول النقاش ويسيسه في جلسة لها عالقة بممارسات االحتالل في األراضي الفلسطينية، إلى مسألة جدلية تصل لحد األسطورة، استغالال لغفلة من العالم عن القضية الفلسطينية، ظنًا منه ومن يـدعـم كـيـان دولــتــه، أنــه فــي صــدد إعــالن انـتـصـار أخــالقــي ألســطــور­ة الـهـولـوك­ـوسـت على حقيقة القضية الفلسطينية املترسخة في ضمير العالم ووجدان اإلنسانية. التاريخ ال يأخذ باألساطير، وإن أوردهــا فإنه يذكرها كما هي (أساطير). التاريخ ال يـدون في صفحاته إال الحقائق، حتى ولو كتبه في غفلة من ضمير العالم ووجدانه، قوى الشر، التي يخيل لها في عصور الظالم والغفلة، أنها انتصرت على الحق والحقيقة. الـقـضـيـة الفلسطينية سـتـبـقـى حـيـة فــي ضـمـيـر الــعــالـ­ـم ووجـــدانـ­ــه، وفـــي ذاكــــرة وحــركــة الشعب الفلسطيني وقوى الحق والحرية في العالم. إسرائيل، في املقابل: ستظل كيانًا «لقيطًا»، من سقط متاع التاريخ، يفتقر ألدنى مقومات الشرعية األخالقية والسياسية والتاريخية والجغرافية.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 االتصاالت أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 154 مسافة ثم الرسالة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia