قطر.. إذا مُّت ظمآنًا فال نزل القْطر
قطر أم «الــجــزيــرة»؟! تحكي هـاتـان املـفـردتـان حقبة تاريخية يتماهى فيها الواقع باملخيال «املتقطرن»، وتـــتـــوالـــى الـــســـنـــوات لــتــصــبــح الــــصــــورة ذات أبعاد ثاثية، ودقة عالية، فقطر تلك الجارة الوديعة التي بـاتـت فــي كنف أشقائها عـمـرا مــديــدا، أصبحت بني عشية وضحاها خـارج سـور البيت الخليجي؛ وألن قطر والجزيرة معا قد شكلتا وعيا سياسيا غريبا ومـشـوشـا أدى -مــع مـــرور الــزمــن- إلــى نمو فطريات ضارة على تربتها العربية األصيلة، حتى ظهر على السطح ما يشبه «دويلة افتراضية» وهـي «اإلخوان املــســلــمــون» وغــيــرهــم مــن املـنـتـمـني إلـــى جماعات إرهابية ومتطرفة. وإمـــعـــانـــا مـــن هــــذه الــجــمــاعــة -اإلخــــــوان املـــســـلـــمـــني- الــــتــــي تـــوشـــحـــت بجلد الحرباء، وامتثلت بأوامر الغرباء، أخـــــذت تــتــقــلــب فــيــمــا كــــان يبدو لــهــا نــعــيــمــا ورخـــــــاء بــمــنــأى عن يـــد الـــعـــدالـــة والـــقـــانـــون الدولي، بـــــل فـــــي عــــــــداء صــــريــــح ألعــــــراف وتـقـالـيـد مجلس الــتــعــاون لدول الـــخـــلـــيـــج الــــعــــربــــيــــة، حــــتــــى إذا أخــذت الحالة هــذه زخرفها وازيــنــت، أتـاهـا أمــر الله على أيــدي أشقائها الكبار لـيـأخـذوا على يــدي قطر نحو بر األمــان، ولينتشلوها من غيابة «التناقض» الــذي شكل وعيا غير ســوي في سياستها اإلقليمية والدولية وقادها إلى سلوك سياسي متضارب وشاذ في أحايني كثيرة. الــواقــع يشهد بــأن سـنـوات االنـحـطـاط واالنــــزالق في غياهب الجماعات اإلسامية قد ولت أدراج الرياح، وذلك بعد األحداث األخيرة في تونس ومصر وليبيا وقبلها في مصر واليمن التي كشفت الستار عن سجل حافل بالهزائم وقبل ذلك الخيانات، فكان التيه في األرض حليفها، إلى أن واتتها الصدفة العجيبة بأال تكون قطر هي املـاذ فحسب، وإنما الخطوة األولى فـــي طــريــق األلـــــف حـــفـــرة، خــافــا ملـــا تصوره الــتــركــة اآليــديــولــوجــيــة الــتــي أفــرزهــا خيال مــرشــديــهــم وتــــوارثــــوهــــا فـــي مخيالهم الجمعي بأنها الطريق إلـى السيادة والرئاسة، ويأبى الواقع إال أن يفضح زيفها وعوارها. الحال أن حبًا من طرف واحد ساد لدى القيادة القطرية يشبه ذلك العشق الـذي صـوره أبـو فـراس الحمداني في بيت الشعر «معللتي بالوصل واملوت دونه.. إذا مت ظمآنًا فا نزل القطر!»، لكنه في الحالة التي تعيشها القيادة القطرية عشق السيطرة واكتساح القريب والبعيد، ولكن ما العمل إذا كانت هذه املعشوقة -أي السيطرة والنفوذ- مستحيلة وغير واقعية فـي هــذا الـظـرف التاريخي واملعطيات التي تقول أن لكل مقام حجما يختص به؟! أتلجأ القيادة الـقـطـريـة الرتــــداء حـــزام نــاســف تــدمــر بــه نـفـسـهـا؟! أم تستمر في الهروب إلى األمام دعوة ودعاء بالخراب والدمار؟! اإلجابة على كل ذلك تكمن في قلب وقالب الــقــيــادة الــقــطــريــة؛ فـهـي الــتــي تـمـلـك مـفـتـاح اإلجابة وزمام السؤال. ال شك أن ذلك اليوم املوعود قادم، يوم تفر «الجزيرة» من قطر، لتعود القيادة القطرية إلى جادة السياسة املتصالحة مع نفسها والعالم من حولها، ولتخلع عـنـهـا عــبــاءة الــحــربــاء، وتـهـيـئ نـفـسـهـا لـتـكـون سدا منيعا أمام التهديدات التي تحاك في الظام والنور ضــد أشـقـائـهـا وأقـربـائـهـا الــذيــن يـقـول لـسـان حالهم لـلـقـيـادة الـقـطـريـة؛ مستحضرا اآليـــة الـكـريـمـة: «لئن بسطت إلــي يــدك لتقتلني مــا أنــا بباسط يــدي إليك ألقتلك إني أخاف الله رب العاملني»، والسؤال األخير الذي يحمل شيئا من إجابة: هل من قوي أمني يعيد سفينة قطر إلى شاطئ الرشد واإلخاء، ويواري سوء ة «الجزيرة» ومخلفاتها؟!.