Okaz

أطفال جائعون

- أحالم محمد عالقي altawati@gmail.com

واحد من كل خمسة أطفال في الواليات املتحدة األمريكية يعاني من الجوع! إحصائية صادمة ولكنها حقيقية. واملخيف أنها تدل على تفشي الجوع في دول تعتبر من دول العالم األول التي ال نربطها عادة باملجاعات والفقر. ولكن الفقر ال يرحم، فهو يتفشى بأذرعه األخطبوطية في كل مكان. لدي صديقة أمريكية من أصول التينية ولدت وتربت في أمريكا وقالت لي إنها قضت طفولتها تصارع الجوع ويصارعها، إلى أن أغمي عليها ذات مرة في املدرسة من شدة الجوع في نهار بارد وهي تشم رائحة البانكيك تنطلق من كانتني املدرسة الـذي يطعم الطالب األوفـر ماال وحظا. يومها أشفقت عليها معلمة باملدرسة عرفت قصتها وعرضت عليها ساندوتش ضخما مـن البينت بتر واملـربـى ووعدتها بساندوتش يومي مماثل. لم تنِس صديقتي طعم هذا الساندوتش وال رحمة هذه املعلمة املالئكية. وليس هذا فقط في أمريكا، بل بالطبع نتوقع وجوده في أغلب أنحاء العالم لسبب أو آخر، إما الفقر أو ضيق الوقت أو العادات والتقاليد وغيرها. وقد وجدت إحدى الباحثات األنثروبول­وجيات أن األطفال اإلناث بكل أسف يعانني من الجوع أكثر من الذكور حينما يكون مستوى العائلة املادية منخفضا. ففي بعض القرى في أماكن معينة في أفريقيا يعرض الطعام الجيد أوال على الرجال والذكور من األطفال وحينما ينتهون يــأتــي دور الــنــســ­اء بـعـد ذلـــك. وكـتـبـت إحدى الــبــاحـ­ـثــات ذات مـــرة عــن تـفـشـي لــني العظام بــني الـبـنـات خـاصـة بــإحــدى الــقــرى املصرية في الثمانينات من القرن املاضي بسبب فقر النظام الغذائي الشديد لديهن، فالولد يفضل عــن الـبـنـت فــي قـسـمـة الــطــعــ­ام إليــمــان بعض العوائل بأن الولد هو االستثمار الحقيقي للعائلة. وأعرف فتاة فرنسية كانت تعيش مع والدتها فقط، وقالت لي إنها قضت طفولتها والجوع يقرصها ليل نهار، فأمها لم تكن تستطيع توفير الطعام إال بالكاد. وكانت تمر بجانب الباتيسري وتستنشق الروائح وتتأمل من زجاج املخابز قطع الجاتوه والخبر فتشتهيها وال تستطيع تذوقها ولم تعرف طعم الفطائر والكيك إال حينما كبرت. وصديقة لي يابانية قالت لي إنها وأختها كـــانـــت­ـــا تـــعـــان­ـــيـــان مــــن الــــجـــ­ـوع طـــــــوا­ل فترة طفولتهما وذلك ألن والديهما كانا يعمالن فـلـم يـكـن أحــد يملك الــوقــت ليطبخ، وكانت أمها ال تحب الطبخ وال تجيده وتكرر على مسمعهما بأنهما يجب أن تكونا ممتنتني بأن هناك أي طعام على الطاولة مهما ساء طعمه. وكــان األب محبطا يفرغ غضبه في غسل الصحون كل يــوم، فقد كان هذا دوره في العمل املنزلي وكان يردد دائما حكايات عن طبخ والدته الشهي وكان يعقب ذلك حرب حامية الوطيس. ولم نذهب بعيدا؟ فقد قالت لي إحدى النساء ممن أثق فيهن، وهي ربما في األربعني أو الخمسني من العمر، إنها تزوجت شخصا من منطقة أخرى من مملكتنا الحبيبة، وحني كانت عروسا وكان هذا ربما قبل ربع قرن من الزمان وجدت أن أهل زوجها يختلفون تماما عن أهلها الحجازيني في عاداتهم وتقاليدهم. فحينما زارتـهـم كعروس وجــدت أن طعام الوليمة يــعــرض عـلـى الــرجــال أوال فـيـأكـلـو­ن مـنـه مــا طــابــت أنـفـسـهـم بــه ثــم تترك البواقي للنساء. ومن هول صدمتها يومها لم تستطع املجاملة وال بلقمة واحدة وأكلت تفاحة واحدة فقط. وسمعت من النساء قصصا محزنة عن بعض اآلباء وكيف يؤثرون الذكور دون اإلناث بالطعام الجيد. ربـمـا يـجـدر بأطفالنا الـيـوم سـمـاع بعض هــذه القصص لـيـقـدروا نعمة الطعام الذي يعرض عليهم ولله الحمد أشكاال وألوانا، وليحفظوا النعمة التي حبانا بها املولى. أدامها الله علينا وحفظها من الزوال.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia