قطر.. الفرصة أخيرة واحلل خليجي
عــنــدمــا يــعــزم طــــرف عــلــى الــتــوســط فـــي مـشـكـلـة فـــا بـــد أن تتوافر لديه شـروط مهمة وموضوعية حتى يكون مؤها للتدخل فيها خـصـوصـًا إذا كـانــت املشكلة خـطـيـرة وأحد أطــرافــهــا يــمــارس الـتـعـنـت بــهــدف تـعـقـيـدهـا لـخـلـق مشاكل أخطر. حسن النية شرط أساسي يأتي في أول الشروط، ثم اإلحاطة الكاملة بكل جوانب املشكلة، أسبابها وحيثياتها وتداعياتها والعوامل التي فجرتها ونوعية الضرر الواقع على املتأثرين منها، ثم الحياد التام والوقوف على مسافة واحـدة من جميع األطــراف، وكذلك عدم استغالها ملكاسب خاصة أو توظيفها لصالح أجندات مستقبلية أو الخروج بها من إطارها وحقيقتها لتمييعها وإفـراز مشاكل أخرى على هامشها. في األزمة القطرية ال تبدو هذه الشروط متوافرة في الوسطاء الذين دخلوا على خطها، وربما يكون توقعها فيهم مثالية ليس مكانها الـسـيـاسـة، لكن بعض الـوسـطـاء يسعون إلى تحقيق أهدافهم من أي مشكلة بأساليب ذكية غير مباشرة وغــيــر مـسـتـفـزة لــأطــراف املــتــضــررة، والــبــعــض عـكـس ذلك إذ يتضح منذ البداية فشلهم الـواضـح في كونهم وسطاء فاعلني ومخلصني ومحايدين، ويتضح ذلك أكثر ما يتضح في أداء وزير الخارجية األمريكي ريكس تيلرسون، أو لنقل في أداء اإلدارة األمريكية عمومًا ألنه ليس من املنطق تصور سياسة خـارجـيـة لها بـــأداء فــردي ال يمثل سياسة الفريق واإلدارة بـجـمـيـع عـنـاصـرهـا وأركــانــهــا. لـقـد أغــفــل الوزير األمــريــكــي صــلــب املــشــكــلــة وجـــوهـــرهـــا، وحـــــاول تبسيطها وتسطيحها وذهب بعيدًا عندما اختزل حلولها في مذكرة تفاهم أمريكية قطرية ملكافحة اإلرهــــاب، علمًا أن مطالب الــدول األربــع منذ البداية تتمحور في مطالبة قطر بإنهاء سياستها الـداعـمـة لــإرهــاب بكل أشـكـالـه، والـــذي تضررت منه هــذه الـــدول بشكل كبير، ولـهـذا السبب - أي التسطيح األمريكي للمشكلة - كان الرد الرافض للدول األربع واضحا ومـبـاشـرا، مـا جعل الــوزيــر األمـريـكـي يـعـود أدراجـــه مجددًا ملقابلة الطرف القطري، حاما معه إصرار األطراف األربعة على التمسك بمطالبها املشروعة العادلة. لو كانت قطر تريد بالفعل حـا لأزمة الحترمت مطالب الدول األربع منذ البداية واحترمت الوساطة الكويتية في إطــار البيت الخليجي، لكنها أرادت جر األطــراف الدولية إلــى الـسـاحـة الخليجية لتحوير أســـاس املشكلة وتغيير طبيعتها والــهــروب مـن تبعاتها، لكن ذلــك لـن يحدث ألن الـدول التي تقف في الطرف اآلخر تعرف جيدًا كيف تدير أزمــتــهــا مــع قـطـر ويـصـعـب أن تـنـطـلـي عـلـيـهـا مناوراتها املـتـسـمـة بــالــرعــونــة والــتــهــور والــســذاجــة أيــضــًا، وعليها اسـتـثـمـار هـــذه الــفــرصــة الــتــي يــبــدو أنــهــا األخــيــرة قـبـل أن تواجه مصيرًا ال قبل لها به.