Okaz

ملاذا غابت جمعية الثقافة والفنون عن مكة؟

-

تتميز تسمية نادي مكة األدبي من بني جميع األندية األدبية، فهو النادي الوحيد الـذي يحمل رسميا اسـم «الـنـادي األدبــي الثقافي»، بينما تقتصر التسمية الرسمية لبقية األندية على وصفها باألندية األدبــيــ­ة، وإذا مـا بــدا أن تلك التسمية تشير إلــى مـزيـد مـن العناية بجوانب الثقافة التي ال تنطوي تحت مسمى األدب، فـإن علينا أن نتذكر أن مكة املكرمة هي املدينة الوحيدة من بني املدن الكبرى التي ال يوجد فرع لجمعية الثقافة والفنون، وهذا يعني أن نزع الثقافة من مسمى جمعية الثقافة والفنون وإلحاقها بالنادي األدبي إنما يعني تغييب الفنون، وهــو تغييب على مستوى التسمية يكرسه تغييبها على مستوى املؤسسة. هــذا التغييب ال يخلو مـن النظرة الدونية للفنون، فهي إذا مـا تم التسامح في إقامة جمعيات لها في املدن األخرى فإنه ال يليق بمكة أن تقام فيها جمعية لهذه الـفـنـون، دون مـراعـاة أن فـي ذلــك تنكرا وتــجــاهـ­ـا لــتــاريـ­ـخ الــفــنــ­ون فــي مـكـة والــتــي لــم تـحـل قـدسـيـتـه­ـا عبر التاريخ عن أن تكون حاضنة لها. غياب جمعية الثقافة والفنون يعني تجاهل حقيقة أن أول مـسـرح فــي اململكة كــان مـسـرح أحمد الـسـبـاعـ­ي بـمـكـة، وتــجــاهـ­ـا ألصــــوات أســســت لـلـغـنـاء كـحـسـن جاوة وسعيد أبــو خشبة ومحمد بـاجـودة والسيد األبلتني عبدالرحمن املـــؤذن، كما فيه تجاهل للفنون الشعبية املـعـروفـ­ة فـي مكة وعلى رأسها املزمار والصهبة، وتناس لتاريخ التصوير في مكة والذي ال تزال تشهد عليه صور عبد الغفار بغدادي التي وثق بها جوانب مختلفة للحياة في مكة أواخــر القرن التاسع عشر، ولعلي بحاجة إلـى أن أشير إلـى أن السينما التي ال نـزال نرتاب في أمرها شهدت افتتاح دار لها في مكة قبل مائة وسبعة أعوام، وكان يحضر الفيلم الصامت الذي كان يعرض فيها الرجال والنساء بتذاكر تبلغ قيمة التذكرة منها رياال واحدا مجيديا أو جاويا. تلك النظرة الدونية للفنون والـتـي غيبت املؤسسة الوحيدة التي تعنى بالفنون عن مكة مست بقية أفرع املؤسسة في كافة املدن حتى كأنما وجـودهـا ال يتجاوز رفـع العتب، ولعل تلك النظرة الدونية للفنون والقائمني عليها هي التي أبقت جمعيات الثقافة والفنون مضيقا عليها فيما يتم دعمها بــه، بينما تتمتع األنــديــ­ة األدبية بميزانيات ال تعرف بعض األندية كيف تتصرف بها. فــــإذا كـــان هـــذا هــو حـــال املــؤســس­ــة الــرســمـ­ـيــة الــوحــيـ­ـدة الــتــي تعنى بالفنون وهـذه هي النظرة التي تؤطر عملها فإن لنا أن ننظر إلى ما وعدت به الرؤية وبرنامج التحول الوطني على أنه إعادة اعتبار للفنون كما نعتبر ما نشهده من عودة الروح لكثير من الفنون على أنه تطهير للساحة الثقافية من تلك األوهام التي لم تر في الفن إال خطيئة تنبغي مواجهتها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia