Okaz

قطر.. دكتور جيكل ومستر هايد !

-

مــن املــفــار­قــات أن قــطــر ال تــــزال تـحـيـا فــي املــاضــي وتــحــديـ­ـدًا فــي عصر الستينات املاضي؛ حيث تسود األفكار املؤامراتي­ة واالنقابات العسكرية فـي زمــن كانت فيه دول العالم مستقطبة مـا بـني عـاملـني، إمــا أن تنتمي للمعسكر الرأسمالي بقيادة الـواليـات املتحدة أو للمعسكر االشتراكي بقيادة االتحاد السوفياتي البائد، وبمجرد انتمائها ألحد املعسكرين تبدأ على الفور في محاولة تفكيك أواصــر الــدول األخــرى التي تنتمي للمعسكر اآلخــر وتقويض أركانها حتى تتمكن من ضمها ملعسكرها، وهـــو األمــــر الــــذي يــحــدث عــــادة مــن خـــال تـقـويـة مــعــارضـ­ـي تـلـك الدول ودعمهم حتى يتمكنوا من إزحـة النظام املناوئ لهم وتثبيت أقدامهم في تلك الدولة لتصبح تابعة لهم قلبًا وقالبًا، وهكذا تستمر األمور حتى يسيطر طرف على طرف آخر. لألسف الشديد ال يــزال يطغى هــذا الفكر املـؤامـرا­تـي على عقول زعماء قطر، وعلى الرغم من أن العالم بدأ في تغيير جلده تمامًا عقب سقوط املــعــسـ­ـكــر االشـــتــ­ـراكـــي وتــفــكــ­كــه، إال أن قــطــر بـــــدأت مــنــذ مــنــتــص­ــف عقد التسعينات تقريبًا إعـــادة عـقـارب الـزمـن لــلــوراء، ولـكـن هــذه املــرة ليس مــن خــال االنــتــم­ــاء ملعسكر دولــــي، بــل مــن خــال زعــامــة إقليمية زائفة تستمد شرعيتها من نقض وتفكيك زعامات دول املنطقة األخـرى بقدر ما تستطيع، وبهمة غير معتادة سـارت قطر في خطني متوازيني؛ خط إعامي يزيف الحقائق ويبث الفرقة بني مواطني الــدول األخــرى وبني حكامهم، وخط سياسي ــ وعسكري إن لزم األمر ــ لدعم املعارضة في الدول الشقيقة واستضافتها ودعمها بل وتجنيسها بالجنسية القطرية أيضًا في الكثير من الحاالت. في واقع األمر ال تصرح قطر بما يعتمل داخل نفوس زعمائها من حب جارف وعميق للزعامة ورغبة جارفة في السيطرة والتحليق فوق أكتاف العباقرة، وهي بهذا املسلك تذكرنا برواية «دكتور جيكل ومستر هايد»، والتي رغم كونها أحد أدبيات القرن التاسع عشر إال أنها ال تزال تعبر أشد التعبير عن الشخصيات التي تعاني انفصاال مزمنًا بني جوهرها ومظهرها، والتي تسعى إلخــراج أحقادها املدفونة من خال شخصية أخرى غير الشخصية املتزنة الهادئة الخلوقة املعروفة بني الناس، فها هي قطر تبدو أمام العالم وعبر وسائل اإلعام دكتور جيكل الهادي محب السام، ومن خلف الستار مستر هايد الخبيث الشرير الفظ الكريه. ال تحيا قطر كدولة مثل أي دولـة تهدف للعيش بسام وسط محيطها اإلقليمي، تهتم بشؤون مواطنيها وتسعى لجذب االستثمارا­ت األجنبية لـداخـل الــدولــة، بـل تعيش فـي وضــع متأهب يتخذ وضعية االقتناص طيلة الوقت، فهي تترصد األوضاع من حولها وتتربص بزعماء الدول العربية إلسقاطهم وإحالهم بزمرة من اإلخوان، ولذلك نجد أن املنظومة السياسية القطرية تعتمد على ثاثة محاور: اإلخوان، واإلعام، والثروة؛ فـــاإلخــ­ـوان هـــم املــنــبـ­ـع الــفــكــ­ري الـــذيـــ­ن يــســتــق­ــون مــنــه أفــكــاره­ــم الضالة، وأيديولوجي­تهم تمثل الـكـاتـول­ـوج -الـدلـيـل- الــذي يـوجـه سياسة قطر، ويذكرني ذلك ببيت الشعر «إذا كان الغراب دليل قوم، سيهديم إلى دار الخراب»، أما اإلعام فهو الذراع السياسية الذي يتمكنون من خاله من السيطرة على اآلخـريـن وتأليب الشعوب على حكامها، وأخـيـرًا الثروة فهي الرافد املالي الذي يمولون من خاله العنصرين السابقني. مـا حــدث مـن قطر قـد يكون جرحًا يصعب انـدمـالـه لـألبـد، فكيف يمكن أن تؤتمن بعد ذلــك محاضر اجتماعات املجلس األعـلـى لــدول الخليج العربي، كيف يمكن أن تعود املياه ملجاريها مرة أخرى بني دول البيت الخليجي فــي الــوقــت الـــذي تخشى فـيـه هــذه الـــدول مــن قـطـر أن تسرب وثائقها وأسـرارهـا لألعداء؟ كيف يعود األشقاء أشقاء مرة أخـرى وهم ال يأمنون شقيقتهم الصغرى من أن تطعنهم من الخلف كما تفعل اآلن وفعلت من قبل؟ ربما لو لبت قطر مطالب الدول الداعية ملكافحة اإلرهاب فــإن العاقات الرسمية سيتم استئنافها، ولكن هناك مطالب ال يمكن رفعها إلى دولة قطر، بل يصعب توصيفها على نحو دقيق جامع مانع، إنها متطلبات تفرضها أواصر الدم ووحدة اللغة والتاريخ والدين، وما لم تقم بها قطر من تلقاء نفسها طواعية فا أمل في أن يعود الوضع إلى ما كان عليه أبدًا من قبل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia