القارئ العربي احلزين
ال أدري متى ستحل مشكلة القراءة في العالم العربي، أتمنى من كل قلبي أن أرى ذلك وأنـا على قيد الحياة، أو على األقل، في املئة عام املقبلة، وقريبتي التي تسمعني اآلن أكتب وأتذمر تتمتم بدورها: «املئة عام املقبلة! الله يسمع منك يا شيخة». ربما حينما أصبح عجوزًا بال أسنان وببصر ضعيف ال يسعفني للقراءة وبــســمــع مــتــخــاذل. ربــمــا ســيــأتــي مــن يـــــروون لــي حــكــايــات ســتــكــون خيالية وســعــيــدة. ربــمــا سـيـقـولـون لــي بـــأن املـكـتـبـات الــعــامــة أصـبـحـت فــي كــل حي، والكتاب يـزورون املـدارس والجامعات بفعاليات، ووزارات الثقافة والتعليم والترفيه وإدارات رعاية النشء ستتحد لتقيم دورات لخدمة املجتمع قائمة على زرع قيم القراءة بني النشء وسيدعون الكتاب إلقامة دورات في الكتابة اإلبـــداعـــيـــة كــخــدمــة لـلـمـجـتـمـع؛ فــالــكــتــاب، كما ســيــقــولــون، أصــبــحــوا مـــن عــــداد املليونيرات، فـعـوائـد إنـتـاجـاتـهـم األدبــيــة تعيشهم فــي رغد وسـيـكـون لـديـهـم وقــت وإمــكــانــيــات لــرد جميل املجتمع الذي دعمهم. ربما سيقولون لي إن كل طفل وامــرأة ورجـل سيحمل كتابًا؛ في املدرسة وفــي الـطـائـرة وفــي املطبخ وفــي الـسـيـارة وفي الكافيه وفي عيادة انتظار الطبيب. ربما سيصبح الكتاب (مهما كان نوعه ورقيًا أم إلكترونيًا أم هولوجراميًا أم ثري-دييًا) في متناول كل شخص: فقير كان أم غني. ربما سينتهي حزن القارئ العربي يومًا فسيجد أي كتاب يريد، ربما تنتهي معاناة آالف الـقـراء والـكـتـاب بمختلف أعـمـارهـم وأهـدافـهـم حينما يزورون املـكـتـبـات الــعــامــة فــيــجــدون عـلـى أرفــفــهــا كــل جــديــد، وقــديــم، مــن الـكـتـب دون الحاجة لتكبد شــراء الكتاب! ربما ستنتهي معاناة الباحث العربي فيجد جميع املراجع ليكتب تلك الورقة األكاديمية املهمة. قصتي أيها الرفاق مع الكتب قصة، رغم وفرة فصولها السعيدة، تنتهي دوما نهايات حزينة. والــدي -رحمه الله- كـان قارئًا مخلصًا للقراءة، بل كـان الكتاب رفيق عمره وأنيسه. منذ أن كان صغيرًا كان يتتبع في لهفة أي ورقة مطبوعة، وفي سن الفتوة حـاول أبـوه أن يصرفه لطلب الــرزق بالتجارة ففتح له دكانًا صغيرًا ولكنه كان مهتما بقراءة الورق الذي يغلف البضاعة أكثر من اهتمامه بالبيع والكسب. وظل قارئا محاطا بأصدقاء من املثقفني والكتاب والقراء إلى نهايات عمره، حني فقد الرفاق وتناثرت حيواتهم أمامه كورق خريف مختلف األلوان تعصف به الرياح ملدى غير مرئي، فوجد نفسه وحيدًا إال من كتاب. ولهذا، نشأنا أنا وأخوتي بني الكتب وبرفقتها. نسافر إلى بالد جميلة حول العالم فأول ما نستكشفه بها هو املكتبات، نخرج للتسوق فأهم ما نفكر في اقتنائه كتابًا جديدًا، وفـي إجــازة الصيف كانت جائزتنا العظمى تـالال من الكتب الجديدة. ولكنني مع ظروف الحياة وجدت نفسي أتنقل كــل عـــدة ســـنـــوات، ّومـــع كــل انــتــقــال أجـــد مئات الكتب تجمعت لدي، ولثقل الوزن، اضطررت في مراحل من حياتي ألن أتنازل بتردد عن بعض أصــدقــائــي الـــورقـــيــني، فـيـتـبـنـاهـم مــنــزل محب جديد أو رف مكتبة يدللهم. واآلن وأنا أكاديمية أجد نفسي أعاني األمرين مـن شـح الكتب أو عــدم توفرها، فليست كـل الكتب مـوجـودة بشكل إي بوك، وليست جميع اإلصــــدارات ممكنة التوفر وأحـيـانـا تـصـدر طبعات مختلفة لكتب معينة تختلف بعض محتوياتها وأتمنى اإلطالع عليها قبل اختيار شراء أحدها بالنت ولكنني ال أستطيع فأضطر لشراء نسخة (بطريفة عمياء مثل الباليند ديت) فيأتي كتاب ال أهضمه وال أنسجم معه وال ينفعني. مازلت أعيش على أمل أن أرى أثناء حياتي عصر نهضة الكتاب، ولكن أتمنى أال أكون وقتها مصابة بالزهايمر، فأعيش وأموت قبل أن أدرك بأن هذا اليوم قد جاء. للتواصل أرسل sms إلى 88548 االتصاالت 636250, موبايلي, نيز738303 تبدأ بالرمز 100 مسافة ثم الرسالة