هوملز.. «أبو النفط» لم يكن جيولوجيًا!
جال اخلليج بـ«حلم كبير» للبحث عن «الذهب األسود».. ولكنه جاء مبكرًا!
ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ ﻭﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﻗﻒ ﻃﻮﻳﻼ ﻋﻨﺪ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺑﻼﺩ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺟﺎﺀ ﻣﺒﻜﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﻣﺮﺓ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻔﻂ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺟﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ. ﻭﻟﻮﻻ ﺗﻌﺠﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻛﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﻤﻐﺎﻧﻢ ﻭﻗﻠﺔ ﺻﺒﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻟﻜﺎﻥ ﺑﺰّ ﻛﻞ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎﺅﻭﺍ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﻧﺴﺞ ﺭﺑﻊ ﺣﺠﻢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺴﺠﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﻭﺍﻷﻣﺮﺍﺀ ﻭﺻﻨﺎﻉ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ، ﻭﻻﺳﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻠﻘﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻫﻮ »ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻨﻔﻂ«. ﺇﻧﻬﺎ ﺍﻷﻗﺪﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﻭﺗﻤﻨﻊ. ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﺧﻄﻂ ﻭﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﻭﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ ﻭﺗﺘﺼﺎﺩﻡ ﻓﺘﻌﺠﻞ ﺑﺤﺪﻭﺙ ﺃﻣﻮﺭ ﻭﺗﺆﺟﻞ ﺃﺧﺮﻯ.
الـبـاد التي ولــد فيها رجــل التعدين «فـرانـك هوملز »Frank Holmes وهي نيوزيلندا لم تكن يوما ضمن الباد الساعية إليجاد نفوذ لها في منطقة الشرق األوســط، لكن البلد الـذي حمل جنسيته بريطانيا العظمى الـتـي كـانـت صاحبة نـفـوذ طــاغ فـي املنطقة، بـل وجـــدت أن نفوذها ومصالحها السياسية واالقتصادية مهددة ببروز الواليات املــتــحــدة عــلــى الــســاحــة الـــدولـــيـــة وســعــيــهــا إلــــى مـــد نــفــوذهــا خارج األمريكتني، والسيما إلى الشرقني األوسـط واألدنــى. ونجد تجليات السعي األمريكي واملخاوف البريطانية في موقف لندن من اللجنة التي شكلها الرئيس األمريكي «ودرو ويلسون» بعد الحرب العاملية األولى لدراسة أوضاع منطقة الشرق األوســط وفهم مـا يــدور فيها وتقديم تقرير حولها والــتــي عـهـد بـرئـاسـتـهـا إلـــى رجـــل األعــمــال «تشارلز كرين .»Charles Crane يخبرنا إبراهيم الجبني في مقال له بصحيفة العرب اللندنية )2015/2/1( أن كـريـن، وهــو سليل أسرة أمـريـكـيـة ثـريـة تخصصت فــي شـــؤون املــيــاه، وعرف عنه اهتمامه باالستشراق والثقافة العربية وقضايا الشرق األوسط السياسية وترجمة القرآن الكريم إلى اإلنجليزية، سافر فـي 1931 إلــى السعودية ملقابلة مؤسسها امللك عبدالعزيز آل سعود، وأنــه في ختام لــقــائــه بــاملــلــك ســــأل عــمــا يــمــكــن أن يــقــدمــه للمملكة الفتية وشعبها، فأخبره امللك أن باده تعاني من التصحر والجفاف والحاجة للمياه، فوعده كراين بالنظر في الطلب. أمـا ما حـدث بعد ذلـك فمعروف على نطاق واســع، حيث أوفـى كرين بــوعــده سـريـعـا وأرســــل مـهـنـدسـا جـيـولـوجـيـا مــن قـبـلـه، وهــو «كارل تويتشل »Karl Twichell الـــذي وصــل إلــى جــدة وتــجــول فــي الباد السعودية، وبدال من أن يكتشف املاء اكتشف أن تربة املنطقة الشرقية مشابهه لتربة البحرين التي كان النفط قد اكتشف فيها للتو (سنة
،)1932 فكان ذلك االكتشاف هو املقدمة الطبيعية للتنقيب عن النفط في شرق السعودية من خال مستثمرين وشركات أمريكية. لكن ما عاقة كل هذا بفرانك هوملز؟ املعروف أن هوملز تردد كثيرا على بلدان الشرق األوسط أثناء الحرب الــعــاملــيــة األولــــى كــونــه كـــان عـسـكـريـا بــرتــبــة «مــيــجــور» فــي الجيش البريطاني ومـسـؤوال عن توريد الـغـذاء للعسكر البريطاني املرابط آنــذاك فـي الـعـراق. فكان مـن نتائج جـوالتـه هـذه أنـه سمع عـن وجود الـنـفـط عـلـى الـسـاحـل الـشـرقـي لـلـجـزيـرة الـعـربـيـة واطــلــع عـلـى بعض الـــخـــرائـــط االســتــعــمــاريــة ذات الــصــلــة، خــصــوصــا أن النفط كـان قد اكتشف سنة 1908 في مدينة «مسجد ســلــيــمــان» الــواقــعــة عــلــى الــضــفــة الــفــارســيــة للخليج العربي وتأسست شركة إلدارته تحت اسم «شركة النفط اإلنجلو-فارسية». كل هذا دفعه إلى إرسال رسالة إلى زوجــتــه فــي 1918 يخبرها فيها أنــه يعتقد بوجود «حقل نفطي هائل يمتد من الكويت إلى سواحل البر الـرئـيـسـي لـشـرق الــجــزيــرة الـعـربـيـة»، وأنـــه سيكتشفه وسيستفيد منه. ويمكن الـقـول إن قناعته هــذه حول وجود النفط بكميات تجارية في املنطقة كانت بسبب البيئة التي نشأ فيها والخبرات التي راكمها في مجال التعدين. إذ تشير سيرته الذاتية املنشورة إلى أنه ولد داخل معسكر عمل في مدينة دنيدن النيوزيلندية سنة 1874 ألب كان يعمل في بناء الجسور، وأنه درس في مدرسة أوتاغو للبنني في مسقط رأسه، وأن عمه الذي كان مديرا عاما ألحد مناجم الذهب في جنوب أفريقيا دربــه منذ أن كـان في سن 17 على أعمال التعدين، وهو ما جعله يعمل ملدة عقدين من الزمن مهندس تعدين في أستراليا وروسيا وماليزيا واملكسيك وأوروغواي ونيجيريا. فـي 1920 ساهم هوملز مـع عـدد مـن رجــال األعـمـال البريطانيني في تأسيس شركة صغيرة في لندن تحت اسم «الشركة الشرقية والنقابة الـعـامـة املـــحـــدودة،»The Eastern and General Syndicate Limited وذلـــك بــغــرض الــتــفــاوض نـيـابـة عــن الــشــركــات الــتــي تــريــد الحصول على االمتيازات النفطية لكن تنقصها االتصاالت والعاقات العامة الازمة، أو بغرض الحصول على حقوق التنقيب عن النفط ثم بيعها إلى الشركات املتخصصة الراغبة. غير أن هوملز شجعها على توسيع أعمالها لتشمل أنشطة نفطية في منطقة الشرق األوســـــــط، عــلــى الـــرغـــم مـــن عــلــمــه بــــأن شركة نفطية كبرى وذات نفوذ هائل (شركة النفط اإلنجلو-فارسية) تراقب تحركاته وطموحات شــركــتــه. فــي هـــذه األثــنــاء كـــان املــلــك املؤسس عبدالعزيز آل سـعـود يستعيد أراضـــي آبائه وأجداده ويوحدها، بما في ذلك أجزاء واسعة مـــن شــــرق شــبــه الـــجـــزيـــرة الــعــربــيــة (املنطقة الشرقية حاليا). قـــــرأ هـــوملـــز هـــــذه الــــتــــطــــورات بــعــني الراصد واملــــحــــلــــل، واســـتـــنـــتـــج أن الـــــقـــــرار بـــــات قــــرار الـسـلـطـان عـبـدالـعـزيـز آل سـعـود دون منازع. يقول البريطاني هارولد ديكسون في كتابه «الكويت وجاراتها -Kuwait and Her Neig »bours الصادر في 1956 ما معناه أنه لهذا الـسـبـب قــرر هـوملـز الـسـعـي للتقرب إلــى امللك عبدالعزيز، فسافر عــام 1922 إلــى األحساء ملـقـابـلـتـه بــهــدف الــحــصــول مـنـه عـلـى امتياز للتنقيب عن النفط، فمنحه امللك املؤسس إذنا ملسح صحراء شرق السعودية ملدة شهر. وبالفعل قام الرجل ببعض املسوحات تحت ستار البحث عن نوع من الفراشات السوداء النادرة في القطيف (كيا يلفت انتباه شركة النفط اإلنجلو-فارسية)، وعاد إلـى الهفوف، عارضا على امللك عينات من التربة زعـم أن بها آثارا للنفط. في مؤتمر العقير الذي انعقد في ديسمبر من العام نفسه بني سلطان نجد وتوابعها واملقيم البريطاني في الخليج والعراق سير بيرسي كوكس والوكيل السياسي البريطاني في الكويت امليجور جون مور ممثا عن حاكم الكويت وعدد من الساسة والـوزراء العراقيني نيابة عن عاهل العراق امللك فيصل األول، بهدف ترسيم الـــحـــدود بـــني سـلـطـنـة نــجــد وكـــل مـــن العراق والـكـويـت (وهــو الترسيم الــذي خلق املنطقة املــحــايــدة بــني الــكــويــت والــســعــوديــة)، تمكن هوملز من الوصول إلى املؤتمر بغرض إقناع امللك عبدالعزيز بالتوقيع على اتفاقية كتبها حول منحه امتياز النفط في شرق السعودية، غير أن ذلك لم يتم. وفي عام ،1923 منح امللك عبدالعزيز هوملز االمتياز الـذي ظل يبحث عنه، وهو ما أطلق عـلـيـه «االمــتــيــاز األول». لـقـد قـيـل فــي وصف هـــوملـــز إنـــــه كـــــان صـــاحـــب شــخــصــيــة تتمتع باللياقة واللباقة والصراحة والكرم والسحر، األمـر الـذي جعله يحظى بإعجاب قـادة عرب الــجــزيــرة، واقـتـنـاعـهـم بـمـا كـــان يـقـولـه حول الـثـروة الكامنة فـي بطون صحاريهم خافا للتقارير املتشائمة التي كانت تنفي ذلك. لذا لـم يكن غريبا أن يـفـوز بثقتهم وأن يوقعوا معه اتفاقيات التنقيب عن النفط في السعودية والكويت والبحرين وقطر في العقد الثاني من القرن العشرين (اقرأ الـنـعـي الـــذي كـتـبـه A.T.Chisholm فــي الــخــامــس مــن فــبــرايــر 1947 بصحيفة التايمز البريطانية بمناسبة وفاة هوملز بنوبة قلبية في يناير من ذلك العام).