Okaz

انسحب من «امتياز األحساء».. وندم

قطر رضخت لضغوط «التاج» وأبعدت هوملز

-

تخبرنا الوثائق والتقارير البريطانية أن هوملز نشط أيضا في قطر التي سافر إليها في مطلع العشرينات، مبديا اهتمامه بالحصول من حاكمها على امتياز للتنقيب عن النفط في إمارته، األمر الذي قرع أجراس اإلنذار في مكاتب شركة النفط اإلنجلو-فارسية بلندن، خصوصا بعدما بلغتها أنباء عن لقاء مثمر في الصحراء بني هوملز وحاكم قطر آنذاك الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني. هذا ناهيك عن أنباء أخرى حول إعجاب الحاكم بقدرات هوملز في تحديد نسب جميع كاب الصيد التي دخلت عليهما في خيمة االجتماع، فطاملا أن بامكانه تحديد نسب كلب واحد من بني الكثير فمن املؤكد أن بامكانه تحديد مكامن النفط (طالع كتاب انجيا كارك - مصدر سابق). ولقد عجل هذا التطور في إرسال شركة النفط اإلنجلو-فارسية فريقا من قبلها بقيادة «جورج مارتن ليز» إلى قطر بهدف إجراء مسوحات جيولوجية، فعاد الفريق وقدم تقريرا يقول إنه ال توجد أدلة ثابتة حول وجود النفط في شبه جزيرة قطر. غير أن اكتشاف النفط في البحرين املجاورة جعلت الشركة تسارع إلى توقيع اتفاقية امتياز عام 1935 مع الشيخ عبدالله آل ثاني الذي رضخ ملطالب اإلدارة البريطانية بإبعاد هوملز، مذكرة إياه بنصوص معاهدة الحماية، وهو ما جعل هوملز يخرج خالي الوفاض، ويوجه بالتالي جهوده نحو الكويت. وألن الكويت كانت تقع خــارج نطاق اتفاقية الخط األحمر (اتفاقية وقعت في 1928 بني شركات نفطية أمريكية وبريطانية وفرنسية وهولندية حول مصادر النفط ضمن أراضــي الدولة العثمانية في منطقة الشرق األوسط) فقد سهل هذا األمر على هوملز التفاوض باسم «شركة نفط الخليج» للحصول على امتياز التنقيب في الكويت، علما بأن شركة نفط الخليج هذه كانت واحدة من الشركات األمريكية الساعية للتنقيب عن النفوط األجنبية، التي سعى هوملز لاتفاق معها كي تؤول إليها كافة حقوق وامتيازات شركته (الشركة الشرقية والنقابة العامة املحدودة). وكما جرت العادة، أرسلت «شركة النفط اإلنجلو-فارسية» ممثليها إلى الكويت للحصول على حـق التنقيب بــدال مـن هـوملـز، لكنهم فوجئوا بــأن األخـيـر مـعـروف وذو حظوة عند الحاكم الشيخ أحمد الجابر، األمر الذي جعلهم يستعينون باملستشرق البريطاني العاشق لبادية الكويت والخبير في عــادات أهلها «ولـيـام ريتشارد وليامسون»، ويعينونه ممثا لهم في مواجهة هوملز. وهكذ لم يكن أمام شركة النفط الشرقية سوى املوافقة على التنقيب عن النفط في الكويت شراكة مع شركة نفط الخليج وممثلها هوملز، حيث تم تأسيس شركة باملناصفة لهذا الغرض تحت اسم «شركة نفط الكويت»، وهي الشركة التي منحها الحاكم في ديسمبر 1934 امتياز التنقيب ملدة 75 عاما، فاكتشفت النفط في فبراير ،1938 علما بأن الحاكم عمد إلى تعيني هوملز ممثا لشركة نفط الكويت في لندن (طالع الصفحتني 214 215و من كتاب «القوة، السياسة والتاريخ الخفي للنفط العربي ‪Power, Politics and the Hidden His-‬ ‪»tory of Arabian Oil‬ من تأليف إيلني كيتينغ ‪.)Aileen Keating‬ في عام 1937 طلبت منه «شركة االمتيازات البترولية املحدودة»، إحدى زميات شركة نفط العراق، أن يسعى إلتمام اتفاقيات نفطية مع شيوخ إمـارات الساحل املتصالح وحاكم عمان. غير أن الرجل تلكأ في األمر، متذرعا بسوء حالته الصحية فتم إعفاؤه من هذه املهمة (طبقا ملا أورده ديفيد هيرد David Heard في الصفحة 624 من كتابه «من اللؤلؤ إلى النفط ‪»From Pearls to Oil‬ الصادر عن دار موتيفيد بدبي عام .2011 ولعل ما يوضح مدى انزعاج مسؤولي اإلدارة البريطانية في الخليج من تحركات هوملز، الذي ربما كان أحد أسباب تلكؤه في القدوم مجددا إلى املنطقة، رسالة كتبها املقيم السياسي البريطاني في البحرين إلى مرجعه قال فيها إنه «واثق من أن قدوم هوملز إلى الخليج يعني األجواء املعتادة من الحيرة والدسيسة التي يخلقها أينما ذهب والتي ستؤدي عاجا أو آجا إلى مشاكل ال داعي لها» (طالع مراسات وتقارير حكومة الهند البريطانية املحفوظة في املكتبة البريطانية British Library رقم .)233/12/PS/L/IOR من سوء حظ هوملز أنه أتى إلى املنطقة مبكرا جدا دون أن يكون مسلحا باألموال والخبرات الكافية، فعمل في ظروف استثنائية وفي مواجهة شركات نفطية قوية مدعمة من حكوماتها، فدق كل األبواب قبل غيره، ووجد في كل األماكن أبكر من منافسيه إلى أن توفي فجأة في عام 1947 تاركا خلفه سيرة مليئة بالطموحات لم يحقق منها سوى لقب «أبو النفط». في ما يخص السعودية، قلنا إن هوملز حصل على منحة االمتياز للتنقيب عــن الـنـفـط فــي إقـلـيـم األحــســا­ء مــن املــلــك عـبـدالـعـ­زيـز فــي عـــام ،1923 وكان الــذي تـفـاوض معه حــول ذلــك باسم امللك هـو أمــني الريحاني الــذي توصل إلــى اتـفـاقـيـ­ة تقضي بــأن يــدفــع هــوملــز لـلـسـعـود­يـني مـقـابـا سـنـويـا مقداره 2500 جنيه إسترليني. وبالفعل بـدأت «الشركة الشرقية والنقابة العامة املحدودة» التابعة لهوملز أعمالها بنشاط وهمة في املناطق الصحراوية الـنـائـيـ­ة، كما أنـهـا استعانت بـخـبـرات الجيولوجي الـسـويـسـ­ري «أرنولد ألبرت هايم» الذي قدم إلى املنطقة عام 1924 وقدم بعد عامني من البحث تقريرا متشائما يقول فيه إن «الحفر في املنطقة مقامرة كبرى»، طبقا ملا كتبته «جني غروتز» في مجلة عالم أرامكو (عدد يناير/فبراير .)1999 وبحلول عام 1927 كان واضحا مدى اإلحباط والخسارة الذي شعر به هوملز، فأوصى شركته بإيقاف أعمال الحفر والتنقيب تفاديا للمزيد من الخسائر، كما توقف عن دفع اإليجار السنوي املتفق للحكومة السعودية، لكن دون أن يبلغها رسميا بإلغاء االتفاقية. ثم تـرك كل شـيء خلفه ورحـل إلـى البحرين عـل الحظ يبتسم له هناك، خصوصا أنه كان على علم بمساعي بعض شيوخ البحرين لجلب شركات بترول إنجليزية أو أمريكية للتنقيب عن النفط في بادهم بمساعدة أمني الريحاني. غير أن هـوملـز ظهر فـجـأة فــي جــدة عــام 1932 فــي الــوقــت الـــذي كان عبدالعزيز آل سعود ورجاله يجرون املفاوضات مع شركتي شيفرون ونفط العراق حول حصول إحداهما على امتيازات التنقيب عن النفط فـي األحــســا­ء كبديل لهوملز وشركته املنسحبة. ويـقـال إن مستشار امللك عبدالعزيز جون فيلبي، الشهير بعبدالله فيلبي، غضب كثيرا لقدوم هوملز وأبلغه أنه شخص غير مرغوب فيه وعليه املغادرة، بل وطالبه بمبلغ 6 آالف جنيه إسترليني متبقية في ذمته للملك عبدالعزيز (طالع كتاب «مشاريع النفط العربي ‪-Arab Oil Ve‬ »tures لجون فيلبي - الصفحتان 98 .)99و وبالفعل غادر هوملز جدة بعد ثاثة أيام دون أن يشارك في مفاوضات النفط الجديدة كما تمنى، لكنه تمكن من مقابلة وزير مالية ابن سعود الشيخ عبدالله السليمان. وفـي هـذا السياق كتب ممثل شركة نفط العراق «ستيفن همسلي لونكريك» ما معناه أن هوملز لم يذهب إلى جدة لانضمام إلى مفاوضات النفط، وإنما ليحاول فقط استثناء املنطقة املحايدة من أي صفقة امتيازات جديدة. وهذا ما حدث بالفعل، حيث ذهب االمتياز الجديد (االمتياز الثاني) للتنقيب عن النفط في األحساء باستثناء املنطقة املحايدة إلى شركة شيفرون األمريكية التي أسست شركة فرعية باسم «ستاندرد أويل كاليفورنيا العربي (كاسوك)» ثم انضمت إلى شركة نفط تكساس وكونتا شركة أرامكو التي اكتشفت النفط بكميات تجارية في حقل الـدمـام رقـم 7 في مــارس 1938 بعد جهود مضنية تخللها اليأس واإلحباط. في البحرين -طبقا ملا ورد في املجلد الثاني الخاص بالبحرين ضمن 12 مجلدا من وثائق الهند البريطانية وتقارير املقيميات البريطانية في الخليج حول مفاوضات النفط السرية وغير السرية بني حكام املنطقة والشركات البتروليةت­مكن هوملز من إقناع حاكمها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في عام 1923 بمنحه رخــصــة لحفر اآلبــــار االرتـــوا­زيـــة الســتــخـ­ـراج املــيــاه الـعـذبـة فــي جزيرة البحرين، وبسبب نجاحه في هذه املهمة األخيرة، فقد منح الشيخ في عام 1925 ألول مـرة امتيازا للتنقيب عن البترول للشركة التي كـان يمثلها هوملز وهي «الشرقية والنقابة العامة املحدودة». لكن هوملز كان ينقصه آنذاك املال ملواصلة العمل فحاول في عام 1927 أن يبيع االمتياز إلى شركة النفط اإلنجلو-فارسية وغـيـرهـا مــن شــركــات الـنـفـط البريطانية لـكـن مـحـاولـتـ­ه قـوبـلـت بـشـكـوك حول احتماالت العثور على النفط في البحرين، وهو ما ندمت عليه الشركة األخيرة الحقا، تماما مثلما ندم هوملز على انسحابه السريع من امتياز األحساء. ولــهــذا الـسـبـب قــام هـوملـز فــي الــعــام نفسه ببيع االمـتـيـا­ز لـشـركـة نـفـط الخليج صاحبة الحصص في شركة نفط العراق. وفي العام التالي باعت شركة نفط الخليج االمتياز بمبلغ 50 ألف دوالر لشركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (ســـوكـــا­ل)» الــتــي أســســت «شــركــة نـفـط الـبـحـريـ­ن (بــابــكــ­و)» كـشـركـة فـرعـيـة لها وسجلتها في كندا (طالع كتاب نفط البحرين والتنمية ‪-Bahrain Oil and Deve‬ opment الصادر في 1990 عن دار بولدر ملؤلفته أنجيا كارك ‪.)Angela Clarke‬ وعليه بدأت عمليات الحفر في البحرين في مارس 1931 وفي يونيو من العام التالي تدفق النفط بكميات تجارية في البحرين من الحقل رقم1 بجبل دخان، وفي أكتوبر منه بدأ اإلنتاج.

 ??  ?? محاوالت حثيثة بين شركات بريطانية للتنقيب عن النفط وكان من سوء حظ هولمز أنه جاء مبكرا للخليج.
محاوالت حثيثة بين شركات بريطانية للتنقيب عن النفط وكان من سوء حظ هولمز أنه جاء مبكرا للخليج.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia