Okaz

الثقافة والفنون.. عودة الروح

-

جــدة، مدينة الفن والـطـرب والفكر والثقافة، كانت من أكــبــر الـضـحـايـ­ا ملــجــزرة عــمــت الــوطــن ســنــوات طويلة وصـــــادر­ت كــل مــامــح الــجــمــ­ال اإلنــســا­نــي، تـحـت الفتة مــراوغــة مخادعة اسمها «الــصــحــ­وة»، اختطفت عنوة منابع اإلبـداع، وجعلت دماء الحياة الطبيعية السوية تتخثر فــي شـرايـيـنـ­هـا، وألــغــت فـطـرة اإلنــســا­ن التواقة للبهجة واالبتكار واإلبداع الذي يمتص الشقاء والتعب واملواجع. مـن ضمن مـا انـدثـر فـي جــدة - وغير جــدة - بفعل تلك املرحلة الكئيبة موقع يسمى «جمعية الثقافة والفنون»، كان صرحا متميزا تصدح فيه أصناف الفنون وتتدفق منه املواهب الفنية، وعندما حدثنا باستفاضة ومعرفة عميقة عن تأريخها فنان العرب األستاذ محمد عبده خال زيارته لها مساء (الخميس)، كان ال بد أن نحزن النطفاء تلك الشعلة الوهاجة ردحـًا طويا من الزمن. لقد عادت هذه الجمعية تلملم روحها بعد عودة الوعي والــخــاص مــن الــكــابـ­ـوس، لكن لــم يقيض لها الـلـه من يمنحها فكره ووقته وخبرته وتفانيه بسخاء وإخاص حــتــى تــســلــم إدارتـــــ­هـــــا شــخــص مــــجــــ­ازف اســـمـــه «عمر الجاسر»، وعندما نصفه باملجازف ألنـه أراد بإصرار أن يجعلها تليق باسمها وتأريخها، وهو يعرف أنها ال تتلقى ســـوى الــفــتــ­ات املـخـجـل مــن الــدعــم املــالــي من وزارة الثقافة واإلعام. لكنه مضى مستعينا بقناعاته وبــجــهــ­ده وعــاقــات­ــه، ومــعــه مـجـمـوعـة مــن املتطوعني املـؤمـنـن­ي بـمـا يـفـعـلـون لـتـتـحـول الجمعية خــال وقت وجـيـز إلــى خلية ال تـهـدأ وإنــجــاز­ات ال تتوقف محليًا وخارجيًا كممثل لفنون الوطن بشكل خاص. أكثر من (٠٠٥) فعالية داخـلـيـة وخـارجـيـة أنجزتها الجمعية خال عمرها الجديد القصير، موسيقى وفن تشكيلي ومسرح ونـدوات ثقافية فنية ودورات تدريبية في كل أشكال الفنون ومشاركات وطنية واجتماعية واحتفاء بالرموز وإحياء للتراث الفني، وكل ذلك بجهود ذاتية للجمعية التي أضناها البحث عن الداعمني. وقد كان مساء (الخميس) املنصرم تتويجًا استثنائيًا لجهود الجمعية عندما علم فنان العرب عن حراكها وإنجازاتها فلبى دعوتها لتكريمه واالحتفاء به، حل ضيفًا عليها بعد زمـن طويل من غيابه عنها، وكانت احتفالية أسـطـوريـة بمشاركة عــدد كبير مـن الفنانني واملـثـقـف­ـني ورمــــوز املـجـتـمـ­ع، وأشــعــل محمد عــبــده ليل الجمعية بغناء حميم شفيف كأنه يفتح بوابة الذاكرة على مصراعيها. كل جمعيات الثقافة والفنون تحتاج لفتة تليق بها من املسؤولني عنها وجمعية جدة بالذات، ألنها أصبحت واجـهـة وطنية داخلية وخـارجـيـة، ولست بحاجة إلى تذكير املسؤولني بأهمية القوة الناعمة لألوطان التي تمثلها الثقافة والفنون واآلداب، أو ضـرورة االهتمام بهذه الجوانب ونشرها في املجتمع لتجفيف األفكار املنحرفة وتهذيب النفوس واملشاعر و«أنسنة الحياة».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia