Okaz

اليمن: الصرخة في زمن الكوليرا

-

كـــتـــبـ­ــت قـــبـــل شـــهـــر مــــنــــ­شــــورا فـــــي صــفــحــت­ــي على الـفـيـسـب­ـوك بــعــنــو­ان (لــصــوص فــي زمـــن الكوليرا) تناولت فيه تقاعس وضعف الحكومة (الشرعية) تجاه الظروف اإلنسانية التي يقاسي منها أغلب املواطنني في حني يتمتع فيه منتسبوها مع أسرهم بحياة آمنة مريحة خارج البالد، منهمكني في ترتيب أوضاعهم الخاصة وتجاهلوا معاناة الناس في الداخل والخارج ما أفقدها الثقة بالقدرة (وربما الرغبة) على القيام بواجباتها األخالقية والوطنية. األسبوع املاضي أقامت جامعة صنعاء (نعم الجامعة) التي يتحكم في إدارتـهـا مناصرو (جماعة) أنصار الله ــ الحوثيني ما أطلقت عليه (الـذكـرى السنوية ألسبوع الصرخة) تحت شعار (الصرخة وتــأثــيـ­ـرهــا عـلـى واقـــع ومـسـتـقـب­ـل األمـــــة)، وقـــدم املــشــار­كــون أوراق عمل حول (أهمية الشعار ودوره كسالح مهم في مواجهة الحرب النفسية وفضح عمالء أمريكا ومرتزقتها)، وكان مؤملا انتهاك هذا الـصـرح العلمي للترويج ألغــراض سياسية ال تلزم إال املقتنعني بها وال عالقة لها بالواقع البائس الذي يعيشه أكثر من 09٪ من املواطنني بسبب االنقالب على الدولة من طـرف وتقاعس الطرف اآلخر عن أداء مهامه األخالقية والوطنية. كـانـت الــصــور الـتـي نـشـرت مـخـزيـة ومـؤسـفـة؛ إذ أظــهــرت حضورا ألســـاتــ­ـذة كــنــا نــفــتــر­ض فــيــهــم احـــتـــر­ام املـــقـــ­ام الــــذي يــنــتــم­ــون إليه وأنفقت الدولة عليهم أمــواال طائلة ليدرسوا في أرقـى الجامعات كي يعودوا لتدريس أجيال جديدة علوما مفيدة ملستقبل الوطن، لكنهم انتهوا بالجلوس منصتني ومشاركني في محاضرات حول (الصرخة) التي كانت شعار الخميني لحشد الجماهير في بداية حركته ضد الشاه، لكن اإليرانيني توقفوا عن استخدامها لسذاجة الـشـعـار وعـــدم تحقيقه لـشـيء أكـثـر مــن تـحـريـك املـشـاعـر وحقنها بجرعات تمأل جماجم أتباعها، لكن (جماعة) أنصار الله تواصل استخدامه بديال عـن شـعـارات حـب الـوطـن والـحـرص على حقوق الناس واحترام حرياتهم، كما أنها صارت تعتبره شهادة العبور ملن يريد االستفادة من سيطرتها على مؤسسات الدولة وسطوتها على مقدرات البالد التي تتمكن منها. بداية فأنا لست ضد الشعارات التي ترفعها أي جماعة سياسية مهما بلغت سذاجتها وابتعادها عـن الـواقـع وتلبية احتياجات الناس النفسية، ولست معترضا على أي تجمعات تدعو لتبنيها فــي حـــدود مــا هــو مـتـاح لـغـيـرهـا، لـكـن مــا لـيـس مـقـبـوال وال يجب الــســمــ­اح بـــه هـــو اســتــغــ­الل الــســلــ­طــة لــتــحــو­يــل املــســجـ­ـد والجامعة ساحات للترويج املذهبي والسياسي، ونحن نتذكر االعتراضات التي وجهت إلى حزب اإلصالح الستغالله غير القانوني للمساجد لــيــروج ألفــكــار­ه وللمذهب الـــذي كــان منتسبوه يـؤمـنـون بــه وكذا استغاللهم لسيطرتهم على ما كان يعرف باملعاهد العلمية التي كـانـت أبـعـد مـا يـكـون عـن العلم املفيد للمجتمع، والــيــوم تمارس جماعة أنصار الله ما كانت تشكو منه وبــدأت بمسيرة ممنهجة لـلـسـيـطـ­رة عــلــى مــدخــالت الـعـمـلـي­ـة الـتـعـلـي­ـمـيـة وإجـــــرا­ء تعديالت بالحذف واإلضافة وفرض نصوص تدعو لتمجيد فئة اجتماعية بعينها. ما ال تدركه (الجماعة) أن العملية السياسية بالوسائل القسرية تنجح في إخضاع املجتمعات لفترة قد تطول أو تقصر بحسب الــوعــي املجتمعي وقـــدرة احـتـمـال املـعـارضـ­ة السياسية الجمعية للمضايقات واملــالحـ­ـقــات والــقــهـ­ـر، لـكـن الـخـطـر الــداهــم املــدمــر هو فـي انـتـقـال الــصــراع إلــى الـحـالـة املسلحة فـقـط؛ ألن السيطرة على مـخـرجـاتـ­ه تصبح غـيـر مـمـكـنـة، إذ تنشأ جـمـاعـات مـتـنـاثـر­ة غير منضبطة وغير خاضعة لقيادة تعي املستحقات املستقبلية التي تنتج عن العبث املقرون بالبطش. دافع يمنيون عن مبدأ تواجد جماعة أنصار الله في مسار العملية السياسية وكـانـوا يـتـصـورون أن دخولهم إلــى املعترك السياسي سيكون تدشينا لتخليهم عـن استخدام الـسـالح لغة للتفاهم مع خصومهم، لكن الجلي هـو أنـهـم تمرسوا عليه وصــار وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن مواقفهم والتعامل مع مخالفيهم، وهو مسار يفسح املــجــال أمـــام منائيهم ملقاومتهم بنفس األدوات املتخلفة بعيدا عن الحوار ومتطلباته. كـثـيـرون وأنــا منهم مــازالــو­ا يـأمـلـون أن تتوقف (الـجـمـاعـ­ة) قليال لتراجع تصرفاتها وخطابها وعبث وفساد أتباعها، وأن يحاول قادتها التواضع قليال وقراء ة تاريخ اليمن الدامي وأحداثه املحزنة وأسبابها، وإن فعلوا فلربما تمكنت من استعادة رشدها السياسي، وتوقفت عن القسوة املفرطة تجاه أبناء وطن يعيشون فيه جميعا، قــد يـخـضـعـون لـفـتـرة ولـكـنـهـا لــن تــطــول وســتــكــ­ون عـواقـبـهـ­ا أشد كـارثـيـة مما شـاهـدنـا خــالل األعـــوام الـثـالثـة املـاضـيـة وســتــدرك أي منقلب سينقلبون وسيكون الثمن باهظا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia