Okaz

ﻭﻣﻀﺔ ﺷﻌﺎﻉ وعينا وأخالقنا بأيدينا

- د. إبراهيم إسماعيل كتبي

iikutbi@gmail.com إلى زمن قريب كان املجتمع يستهجن الكلمة املسيئة والسلوك العبثي، ونعتبرها غريبة على مسامعنا وتؤذيها؛ ألنها كانت أقل انتشارا وأقل جهرا، وقت أن كانت األســـرة تتمسك بــدورهــا واملجتمع ال يسمح بـالـسـوء وال الجهر بــه، لـذلـك كانت النفوس عامرة بالقيم األخالقية واالعتزاز بها. ذاك الــزمــن الجميل تغير بثقافة الــســوء والـجـهـر بــه عبر الـتـواصـل اإللكتروني وامليديا الحديثة، وأصبح التحريم ضعيف األثــر والعيب االجتماعي كأنه في (خبر كان) فشبكات التواصل وبرامج الهواتف الذكية رغم فوائدها وإيجابياته­ا الهائلة فـي الحياة واملـصـالـ­ح العامة والـخـاصـة، انتشرت مثالبها ومخاطرها وفضائحها التي تكشف أدرانــا كثيرة. فالعالم االفتراضي يتيح التفاعل الذي يسير بهم في دروب شتى حتى جعلت قلوبهم شتى، وبـدت التشوهات تصيب الـسـمـات الشخصية لكثير مــن املـجـتـمـ­عـات، والـعـطـب يــنــال مــن ذهـنـيـة ونفسية البعض ممن يأخذهم إلى حالة رمادية ضبابية، وربما إلى حالة قاتمة حالكة بالفكر الضال. بالطبع األجهزة املعنية مسؤولة مباشرة عن حماية القيم العامة واألمن بمفهومه الواسع والشامل، ومحاربة الجريمة بكل أشكالها ومنها اإللكتروني­ة، من خالل األنظمة والتشريعات، لكن نجاح الجهات املسؤولة في ذلك يستدعي دائما دور املجتمع ونــواتــه األســـرة بـالـوعـي الـديـنـي والــوطــن­ــي والـسـمـو األخــالقـ­ـي وثقافة االلتزام الجاد بكل هذه املنظومة. ال بد أن نتدبر واقعنا الحديث وننظر حولنا بصدق وعقل ويقظة، والخطراألك­بر يكمن في تمادي االستسالم االجتماعي لشبكات التواصل التي شجعت النفوس املريضة على جرائم االبــتــز­از، واتـسـاع شــروخ القيم وضعف الترابط املجتمعي حتى داخل األسرة، وأصبح الناس يعيشون في جزر منعزلة. إنسان العصر عامة واألجيال الجديدة خاصة - إال من رحم ربي - تتعرض ملخاطر التدمير النفسي دون تلقي الوعي الكافي ملواجهة هذا الطوفان، وأصبحت رسائل الهواتف الذكية املوصولة بالشبكة العنكبوتية في أيدي الصغار واملراهقني دون ضرورة وال كنترول، فأخذتهم إلى املجهول وسرقت روح األسرة صغارا وكبارا، حتى في املساجد كان رنني الجواالت بنغماتها وأغانيها يقطع خشوع املصلني، والــيــوم أصـبـحـت الــرســائ­ــل املــصــور­ة تـأتـيـك وأنـــت فــي املـسـجـد وتـنـتـهـك حرمته بفاحش القول، أو رسائل آخر الليل بفعل جنون وعبث املستهترين، وكل هذا بات معروفا للجميع، وكم من مآس أخالقية وجرائم وفضائح يندى لها الجبني على جواالت آباء ساقتها الصدفة واالستهتار إلى عيون الصغار. في الدول املتقدمة التي تصنع وتصدر الحاسبات والهواتف الذكية ال توجد فيها هذه الفوضى املدمرة؛ ألنهم نظموا توفيرها لألبناء حتى سن معني، كما يندر سـوء استخدام العاملني للحاسبات في غير العمل وال أجهزة اتصال شخصية أوقات الدوام، وكذا القنوات الفضائية ال يتركونها للصغار كالفوضى التي نحن عليها. إنها املسؤولية والـوعـي بالتربية رغـم ما يوجد في تلك املجتمعات من مآخذ على مظاهر الحرية. هنا ال بد وأن نعود إلى دور النخبة واملعنيني، سواء في اإلعالم أو املتخصصني فــي عـلـم الـنـفـس وعــلــم االجــتــم­ــاع والـتـربـي­ـة ونــتــســ­اءل: أيــن دورهــــم وقــد تخندق الكثيرون في صفحات وشبكات إلكترونية وجرفتهم معارك ومشاحنات بدال من األخذ بيد املجتمع، فالعالم يتقدم ويعرف كيف يستفيد ويطور وينظم مجتمعه، لـذا علينا بالوعي الذاتي واملسؤولية التربوية والتعليمية املجتمعية الجادة، واليقظة في مواجهة الحروب الجديدة من كل حدب وصوب من شائعات وتضليل منظم. فلنستعد بناء الوعي ونمسك عليه ملواجهة تحديات وحروب العصر.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia