الكافر الذي ذهب «فطيس»
أعادت لنا املحكمة الجزائية املتخصصة بقضايا اإلرهاب وأمن الدولة في الرياض ما كنا نتوقع أنه قد اندثر، من خالل محاكمة عنصر طالباني.. وسيرة اإلرهــاب واإلرهابيني لن تنقضي، وألن األفكار ال تموت وإنما تتجمد - لفترة تطول أو تقصر- إلى أن تجد العقول املؤمنة بها والسلطة الداعمة لها، ولكون اإلرهاب تم نسجه من عدة أفكار ال تـــزال تـتـنـاسـخ، فـإنـنـا ســوف نـكـون فــي حـالـة تـأهـب واملطالبة بــالــضــربــات االســتــبــاقــيــة املــيــدانــيــة والــعــمــل املــتــواصــل إلحداث مراجعات لكل من عشعش في خرابة رأسه تلك األفكار الظالمية. ونـعـلـم أن الــعــقــود األخــيــرة تــوالــدت فـيـهـا الــحــركــات اإلسالمية الراديكالية، وكل منها يكون ربيبا ملا سبقته من حركات تنهج طريق القتل والدمار باسم الدين.. وإذا كانت محاكمة العنصر الطالباني تجري هـذه االيــام بأثر رجــعــي فــهــذا يــعــنــي ضـــــرورة فــتــح املــلــفــات الــقــديــمــة ومحاكمة الشخصيات املحلية (ســـواء كـانـت سـعـوديـة أو غـيـر سعودية)، والــتــي كـانـت لـهـا مــمــارســات تـدخـل فــي إطـــار اإلرهــــاب، بـــدءا من التحريض وصــوال إلـى جمع األمــوال ودعــم الحركات اإلسالمية الراديكالية واالنتماء لها. وكثير من األســر فقدت ابنا لها أو أخـا بسبب دفعه إلـى معارك خارج الوطن أو جذبه للقيام بعمليات تخريبية إرهابية داخل الوطن، ولو كنت من ضمن تلك األسر املتضررة لحملت كل أشرطة ومحاضرات وكتب أولئك املحرضني وتقدمت إلى أقرب محكمة متهما شخصيات بعينها دفعت مئات الشباب للموت في أرض معارك أو فوق حزام نسيف. وليس خافيا – اآلن - أن هناك شخصيات بعينها أجـرمـت في حـق شـبـاب كثر وقـادتـهـم للموت، بينما لـم يمت مـن أســرة تلك الشخصية املحرضة ال ابن وال ابن عم، والغريب أن الشخصيات املـحـرضـة لـلـمـوت لــم يـمـت منها أحــد ولــم يــذهــب أي منها إلى معركة قتال ولم يفتقر أحد منها بل ازدادوا غنى وتبجحا بأنهم يصونون الدين بإمداد املعارك بشباب هم على أهبة االستعداد ألن يموت الواحد منهم نسفا بني عشرات األبرياء من أجل إحداث صيت إعالمي.. وكم من شاب تطايرت أشالؤه وهو ال يعرف أنه قتل مـن ليس لـه ذنــب أو جـريـرة بما هـو حــادث مـن اقتتال هنا أو هناك. هؤالء هم املجرمون حقا الذين يستحقون املحاكمة بأثر رجعي وتــلــقــي عــقــوبــة مـــن قــتــل نـفـسـا فـكـيـف بــهــم وهـــم مـــن قــتــل مئات األنفس. ولو يقبل املتضررون بفقد أبنائهم هذه الفكرة فمن الواجب أن ترفع القضايا اآلن ضد كل من أسهم أو دفع أو استقطب أو مول أو حبب ألبنائهم املوت، بينما هو اآلن يتبجح – من نفس املواقع - من يقتل نفسه يعد كافرا.