مرحلة ما قبل عشاء «قطر» األخير
«إذا عصف الغرور برأس غر … توهم أن منكبه جناح».. هذا ما انطبق جليًا على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الذي لم يكتف في خطابه األخير بتبديد آمال أشقائه في دول الخليج بأن تعيش الجارة قطر وشعبها في أمان واستقرار وتقدم ورخاء، بل أعاد األزمة القطرية إلى املربع األول باملضي قدما في الرفض والتعنت والتكبر والعناد ضد املطالب املشروعة والعادلة للدول األربع الداعية ملكافحة اإلرهاب، وأعطى دالالت واضحة على أنه يفتقد للحنكة والخبرة السياسية وأنه محاط ببطانة فاسدة عزلته وأصمت أذنه عن حقيقة ما يجري حوله. من الواضح أن خطاب أمير قطر كان موجهًا إلى األقلية (الشعب القطري) في الداخل، ويفهم منه أنه خطاب شعبوي وتعبوي لشحذ همم املواطن القطري للصمود ضد هذا املحيط اإلمبريالي املجاور الذي يتآمر عليه - كما يتوهم - ويسعى لفرض الهيمنة العسكرية والسياسية واالقتصادية على قطر ويعد الــعــدة اللـتـهـامـهـا، ثــم وجــه لتركيا بشكل مـبـاشـر وإيــــران بشكل غـيـر مباشر خالص الشكر والتقدير لوقوفهما الحاني واملتعاطف معه، وكأنما أصاباه بمتالزمة ستوكهولم، فأصبح ال يفرق بني العدو والحبيب كما هو الواضح من فحوى الخطاب الذي ألقي بشكل انفعالي تمامًا. وأقل ما يوصف به هذا الخطاب أنه خطرفة وهذيان نتيجة لذات الحالة من الغرور واملكابرة املفرطة التي أصابت الرئيسني السابقني العراقي صدام حسني والليبي معمر القذافي في أيامهما األخيرة، وتسببت في انفصالهما التام عن الواقع واإلصــرار على الخوض في مغامرات مجنونة كانت نهايتها الحتمية معروفة سلفًا؛ إذ اعتقل األول من قبل القوات األمريكية وتم تصويره وهو يغسل مالبسه الداخلية في الزنزانة بشكل مهني إلى أن تم إعدامه فجر يوم عيد األضحى املبارك، فيما قتل القذافي على يد ثوار ليبيا وتبني الحقًا أنه تعرض للضرب واالغتصاب بسيخ حديدي قبل اإلجهاز عليه، ومن ثم دفع األبرياء من أبناء الشعب العراقي والليبي ثمنًا باهظًا لتلك الغطرسة الهوجاء. كل ما نتمناه ونـرجـوه من أمير قطر، أن ال يدفع أشقاؤنا وأهلنا في دولــة قطر ثمنًا لهذه السياسات الخاطئة تمامًا والتحديات والرهانات الخاسرة، وإذا كان الشيخ تميم ال يـزال يعتقد أن جميع الدول الداعية ملكافحة اإلرهاب والرأي العاملي السائد عن تمويل قطر لإلرهاب واحتضان املتطرفني وإثارة الفنت والقالقل، على خطأ، فعلى أقل تقدير أن يمعن النظر في التقارير املنشورة في اإليكونمست والبيزنس انسايدر وفورين بوليسي وديــر شبيغل وغيرها من الوسائل اإلعالمية العاملية التي أعطت مؤشرات وقراءات عميقة عن مستقبل قطر االقتصادي والسياسي واألمني في ظل تداعيات هذه األزمة، لعله يحكم عقله، ليعيد تشغيل خطوط الطيران واملــطــارات وتحريك عجلة االقتصاد الراكدة والسعي لتثبيت استضافة كأس العالم وحفظ استقرار وأمن بالده ورخاء شعبه. ويجب على صانع القرار في قطر أن يدرك أن الغرب أيقن تمامًا بأن مشروع الثورات والفوضى الخالقة في العالم العربي الذي تدعمه قطر منذ سنوات بناء على أطروحات منظر الربيع العربي، القطري ــ اإلسرائيلي عزمي بشارة، هو مشروع فاشل ولن يخوض الغرب في ذلك نهائيًا بعد أن وصل إلى قناعة تامة بأن هذه الثورات التي فتكت بهياكل بعض الدول العربية فتحت الباب على مصراعيه أمــام التنظيمات اإلرهـابـيـة الستهدافهم بعد انتشارها فـي العالم العربي وسيطرتها على أجـزاء منه؛ وألن املحصلة هي سقوط الـدول في أيـدي الجماعات اإلرهابية والــدول املارقة وهجرة املواطن العربي إلى الغرب بحثًا عن نعمة األمن واالستقرار، وأصبح املواطن العربي يندب حظه على تلك اللحظة التي أحرق فيها البوعزيزي نفسه، بعد أن تسبب ما سمي بـ «الربيع العربي»، بحسب تقارير األمم املتحدة، في تشريد 22 مليون مواطن عربي ما بني الجئني ونازحني، باإلضافة إلى أكثر من 1.4 مليون قتيل وخسائر مادية تجاوزت 833 مليار دوالر. لذلك.. ال توجد خيارات واقعية وعقالنية أمام أمير قطر الشاب سوى صب الكيروسني على ذلك الخطاب وحرقه والـعـدول عن ما جـاء فيه والـعـودة إلـى جـادة الـصـواب، قبل أن تتجرع بـالده من ذات السم الذي طبخته لألمة العربية.