نهوض القوة الناعمة

هل القوة الناعمة دمار على وطنها أم هي صمام أمان له؟ وضعت السؤال كمقدمة ألتخلص من الدهشة التي تسبب الدكتور سعود كاتب فـي إحداثها لـي عندما قــرأت مقالته بجريدة املدينة التي كانت عنوانها (النموذج السلبي للقوة الناعمة). فالدكتور سعود يرى أن هذه القوة يمكن لها أن تلعب دورا سلبيا ضد وطنها ما لم يتم توجيهها توجيها يخدم أهدافا وطنية محددة، وإال فإن سيفها ذا الحدين يمكن له أن يكون باترا في االتجاه املعاكس إذا لم يحسن فهمها والتعامل معها. والـــدكـــتـــور ســعــود انــطــلــق مـــن جــزئــيــة تـعـريـفـيـة لــجــوزيــف نـــاي واضع مصطلح القوة الناعمة: (للمتلقي الخارجي أهمية قصوى، فإذا لم تتمكن مبادرات القوة الناعمة من جذبه وإقناعه فإن إستراتيجية القوة الناعمة محكوم عليه بالفشل)، ضـاربـا بالصني مثاال فـي كـون تقييمها عامليا يعتبر متدنيا بكل املعايير رغم أنها مدعومة بقوة اقتصادية وعسكرية، وأعتقد أن الحكم في تدني القوة الناعمة في الصني عائد لضعف انتشار اللغة الصينية وبقائها زمنا طويال ضمن حـدودهـا كاكتفاء ذاتــي من غير املغامرة للخروج قبل أن تبنى نفسها اقتصاديا وعسكريا، ويضاف لـذلـك الــرؤيــة املـاركـسـيـة الـتـي صبغت كــل زوايـــا الـصـني بـالـعـداء للغرب املعادي للتوجه األيديولوجي حتى إذا تحققت لها املقومات الجوهرية وجدنا أن القوى الناعمة في الصني -اآلن- ترفع شعار التميز واالفتخار بكل أطياف قواها الناعمة القادرة على جذب الخارج.. ومـع استكمالي ملقالة الدكتور سعود كاتب وجـدت أن ثمة لـي عنق في مقالته كي يصل إلى الهدف الرئيس من كتابة املقالة. زيــف الـقـوى الناعمة فـي قطر كنموذج فاشل والـتـي أنفق عليها مئات املــلــيــارات بـحـثـا عــن طــمــوحــات تــفــوق مــقــدرة قــطــر ســــواء كــانــت مقدرة تاريخية أو دينية أو مكانية أو سكانية أو ثــراء فنيا وأدبــيــا، وصدق الدكتور سعود في أن قطر أدركت بأنها ال تملك مقومات القوة الناعمة بتاتا فقامت بشرائها إلحـــداث مفهوم زائــف بأنها تمتلك قــوة ناعمة، فنزلت إلـى السوق واشترت في الرياضة وفـي اإلعــالم وفـي األدبــاء وفي الدين وجمعت الرؤوس اإلرهابية من جميع التيارات اإلسالمية الحركية لكي تدعي أنها تناصر الشعوب في مظاملها من حكامها، بينما كانت تعمل على إسقاط الدول، وليس إسقاط األنظمة الظاملة؛ لذلك كانت قطر أسوأ نموذج يمكن اإلشارة إليه في تطبيق مفهوم القوى الناعمة؛ لسبب بسيط كونها قوة مشتراه، وليست أصيلة نابعة من املجتمع ذاته. وأجـدنـي أقــف أمــام جملة جزئية جـوزيـف نــاي بأنها تشترط إذا كانت القوة الناعمة غير قــادرة على جـذب الـخـارج فإنها فاشلة، ويكون هذا بدهيا كونها افتقرت لألسباب املوضوعية في وجودها كـ(قوة ناعمة في قطر) إذ أنها غير منبثقة من روح املجتمع بل جيء بها كمحسنات بـديـعـيـة لــتــزيــن دولــــة ال تـمـتـلـك أي مــقــومــات لــجــذب الـــخـــارج وإقناعه بـأصـالـتـهـا وأنــهــا تـمـثـل روح املـجـتـمـع حـتـى إذا تــم كـشـف الــــدور الذي تلعبه قطر كراعية لإلرهاب واإلرهابيني تساقطت قواها الناعمة املزيفة كتساقط أوراق الخريف.. ولكي أبرهن أن القوة الناعمة هي املكون الحقيقي التاريخي ألي وطن، وأنــهــا تمثل حقيقة اســتــقــرار الـثـقـافـة وتـرسـخـهـا فــي وجـــدان املجتمع، يطيب لي أن أضرب مثاال بالقوة الناعمة املصرية التي استشعرت خطر الـقـوة الظالمية التي أرادت محو وجـودهـا إبــان تسيد اإلخـــوان الحكم والـذيـن أرادوا اللعب بـاملـزاج املصري من خـالل فنونه وآدابــه وعاداته.. عند الشعور بذلك الخطر سرعان ما نهضت القوى الناعمة للدفاع عن وجودها وكينونتها. الذي أريد أن أصل إليه أن القوى الناعمة ليست في حاجة ألن تكون رداء للنظام، أو أن يصرف عليها النظام لكي تخدم سياساته.. فهذه القوى هي الروح املسيرة لوجدان الشعوب وهي ضميرها أيضا.