التعليم بني التنمية الشاملة وسوق العمل

حــن تـخـطـط وزارة الـتـعـلـيـم ملستقبل الـطـلـبـة والــطــالــبــات، تـشـيـر إلى ارتـبـاط هـذا التخطيط بسد الحاجة في سـوق العمل تــارة، ومتطلبات التنمية تارة أخرى، وعلى ما يبدو في ظاهر التعبيرين من اإلحالة إلى معنى واحــد، إال أن بإمكاننا أن نستثمر االخـتـاف في مستوى اللفظ كي نتوصل إلى ضربن من الرؤية أو التخطيط، يتعلق بهما مستقبل الطلبة والطالبات، يتمثل األول في االستجابة ملتطلبات سوق العمل، واآلخر تحقيق تطلعات التنمية الشاملة على ما بن األمرين من اتفاق في الهدف واختاف في السبل املؤدية إليه. وإذا كــان بـاإلمـكـان حصر احـتـيـاجـات ســوق العمل فـي الـوقـت الراهن، وتقديرها في املستقبل القريب والبعيد، ومعرفة ما ينبغي توفيره لها من الخبراء واأليدي العاملة، فإن تحقيق تطلعات التنمية أكثر شموال واتساعا من أن يقتصر على مفهوم سوق العمل، مهما توسعنا في هذا املفهوم، ومهما توسعنا كذلك في توقعاتنا لنموه ونمو احتياجاته مستقبا. التنمية التي نتوخاها تنمية شاملة ترتقي باملجتمع من كافة جوانبه، تنمية ال يمكن تحقيقها إذا مــا بـقـي التعليم مـقـيـدا فــي استجاباته ملتطلبات سوق العمل التي توشك أن تنتهي بالتعليم أن يكون برامج تدريبية ملحقة بإدارات املوارد البشرية ومكاتب التوظيف في الشركات الكبرى. الـتـنـمـيـة الــتــي نــتــوخــاهــا تـعـنـي أن عــلــى الـتـعـلـيـم أن يــعــود لوظيفته األساسية التي تعنى بكافة العلوم الطبيعية واإلنسانية الكفيلة بسد حـاجـة تنمية ال يمكن ألي خبير ومختص فـي أي جـانـب مـن جوانب املعرفة أن يبقى عاطا باطا فيها، تنمية ال يصنعها سوق العمل فقط وإنـمـا تصنعها الـبـرامـج الـكـبـرى الـتـي تحتفي باملوسيقى احتفاءها بالهندسة، وتعنى بالفلسفة عنايتها بالطب وتنظر إلــى املختصن في التاريخ بنفس النظرة التي تنظر بها إلى املختصن في االقتصاد، التنمية التي ال تعتمد على مخرجات التعليم في كافة املجاالت وإنما ترتقي بكافة مجاالت التعليم كذلك. التنمية شيء، وسوق العمل شيء آخر، وعلى تعليمنا أن يعي مسؤوليته تجاه التنمية التي نتطلع إليها كما يعي مسؤوليته تجاه سوق العمل الذي نعرف ضيق أفقه عن أن يتسع آلفاق التنمية الشاملة.