«احلمدين».. وتطهير قطر!
ما هو الهامش املتاح لقطر للخروج من األزمة الراهنة؟ لو تأمل القطريون جيدًا في ما تطلبه الــدول الداعية ملكافحة اإلرهـاب لوجدوا أن ليس هناك ما ينتقص من سيادتها، بقدر مــا يـحـافـظ عـلـى أمـنـهـا واســتــقــرارهــا ومصالحها ومكتسبات شعبها بعيدًا عن العنتريات والشعارات الفارغة التي ستعود عليها بـالـويـالت. العيب -كـل العيب- أن تتمسك بـاالرتـمـاء في أحضان الكذبة الطامعني، والحاقدين، واملنافقني، واإلرهابيني، وسفاكي الدماء. واملــطــلــوب مـنـهـا بـبـسـاطـة أن تـتـعـامـل بـشـفـافـيـة وصــدقــيــة مع األشــقــاء الخليجيني والــعــرب الــذيــن تــتــأذى بـلـدانـهـم مــن تلك الــســيــاســات الــقــطــريــة «الـعـبـثـيـة اإلجـــرامـــيـــة» الــتــي قــامــت على الحقد والكراهية، وليس من حل إال التراجع الصادق عن تلك السلوكيات املرفوضة وتصفير املشكالت مع جيرانها وأشقائها واالعتذار عالنية. هــل يـعـقـل فــي أي بـلـد فــي الــعــالــم أن تــكــون تـعـلـيـمـات القيادة العليا لـأجـهـزة الحكومية واألمـنـيـة هــي احـتـضـان اإلرهاب، ودعـم املتطرفني، وإيــواء القتلة، وحماية من يمولون جماعات اإلرهــاب والتفجير والتفخيخ؟ هل تعتقد القيادة القطرية أن وفرة «البترودوالرات» في خزانتها ستغير قناعات تلك الدول لغض الطرف عن صنائعها وخططها املؤذية التي تستهدفهم، حتى وإن استقوت بقاعدة العديد األمريكية أو غيرها من جند الترك؟. عـدم تغير السلوك القطري يعني استمرار التعنت والتمترس وراء العقلية «الـشـريـرة» املفضوحة، الـتـي لـم يعد لها وجود، طاملا الــدول املقاطعة لديها إثباتات وأدلــة على تلك املراهقات السياسية الـتـي تجنح إلــى الـفـوضـى والــخــراب والـتـدمـيـر في الدول الشقيقة. حديث الرئيس األمريكي دونالد ترمب أخيرًا عن أنه لو تقرر ســحــب قـــاعـــدة الــعــديــد مـــن قــطــر فــــإن عـــشـــرات الـــــدول سترحب باستضافتها. ولـو حـدث ذلـك فستعرف قطر أنها تخسر على رغم أنها تملك ما كانت تعتبره ورقة رابحة، ألن جميع املواثيق الدولية والقطرية تمنع دعم اإلرهاب وتمويله، وحماية املمولني له. وهو املسلك الـذي تـأذت منه السعودية، واإلمــارات، والبحرين، ومصر، ودول أخرى، وباتت تعتبره تهديدًا الستقرارها وأمنها القومي. ومــن هنا جــاء قـــرار قطع الـعـالقـات مــع قـطـر، ومــا صاحبه من إجــراءات تشمل إغالق املنافذ البرية، وإغـالق املجاالت الجوية للدول األربع بوجه الطيران القطري كحق سيادي. وقــد حـرصـت الـــدول األربــــع، والــــدول الخليجية الــثــالث بصفة خاصة، على التشديد على أن الشعب القطري ليس مستهدفًا، وأن ال شـيء لديها ضد القطريني، بل صـدرت قــرارات سعودية وإمــاراتــيــة وبـحـريـنـيـة عـلـى أعــلــى املــســتــويــات فــي شـــأن األسر املشتركة. وال بد أن يعرف الشعب القطري الشقيق أن سياسات قـيـادتـه وحـكـومـة بـــالده املــهــددة لـالسـتـقـرار هــي الـسـبـب؛ وأنه ليس مقبوال بتاتًا حمالت التشويه، وتزييف التاريخ، وإطالق اإلعــالم املقيت الباحث عن صنبور «الــبــتــرودوالر». فجميعهم سينهارون، ويعلنون إفالسهم، ألن الحقائق تهزم األباطيل، ولن يحقق املبتزون أية نتيجة طاملا كانوا مرتزقة أوباش يلهثون وراء املال، وتتحول خبراتهم من طالب وظائف ومستشارين إلى ألسن قذرة، وأقالم أشد قذارة. لــقــد فــشــل اإلعـــــالم الــقــطــري ومــســألــة «الـــتـــدويـــل» لـــأزمـــة على املستوى الدبلوماسي، ألن املقاطعني لقطر شددوا على الحل في إطار البيت الخليجي، مع االحتفاظ بإجراءاتهم السيادية وفق القوانني الدولية. وقـــــد رفـــــض مــجــلــس األمــــــن الـــتـــابـــع لـــأمـــم املـــتـــحـــدة التدخل. وفشلت وسـاطـات كـل املوفدين األجـانـب، وفـي مقدمهم رؤساء الدبلوماسية األمريكي ريكس تيلرسون، والفرنسي جان إيف لـــودريـــان، والـبـريـطـانـي بــوريــس جــونــســون، ألن الــــدول األربع تمسكت بأنها لن تقبل بديال من وساطة أمير الكويت الشيخ صباح األحمد، وبأنها لن ترتضي حال غير االحتكام إلى اتفاق الرياض ومالحقه التكميلية وآلياته التي وقع عليها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إضافة إلى املبادئ الستة. وفــي الحكمة الشعبية يقال إن الـرجـل يؤخذ بلسانه، بكلمته وعــــهــــده ومـــوثـــقـــه. لـــذلـــك لــــم تــكــن ثــمــة مــــغــــاالة فــــي مــــا يعرف بـ«املطالب والشروط» التي لم تعد مطروحة على الطاولة بعد الــرد القطري الـرافـض. وليست هناك مغاالة في املبادئ الستة التي تضمنها بيان الدول األربع في القاهرة عقب الرد القطري الشكلي السلبي. في سجل القيادة القطرية ذات الرؤوس الثالثة: هناك أمير معلن، لكن السياسة والصفقات تحت سلطة «الحمدين»، يمارسانها من وراء ستار. لكنهما ال يعرفان أنها لعبة غدت مكشوفة للعالم أجمع، وليس للجيران الخليجيني فقط. اليوم نتفرج على عربات الجنود األتراك، وصور أردوغان. وغدًا ربما تعلق صور علي خامنئي على لوحات اإلعالنات في تقاطعات شوارع الدوحة. وسيذكر التاريخ في الوقت نفسه أن الشقيق الحقيقي الذي ساند وأعان هو السعودية. فقد وقف امللك الراحل فهد بن عبدالعزيز لتحرير الكويت. ووقف امللك الراحل عـبـدالـلـه بــن عـبـدالـعـزيـز لـوقـف الـتـمـرد اإليــرانــي فــي البحرين. وتصدى امللك سلمان بن عبدالعزيز بكل حزم العتداءات أذناب إيـران الحوثيني في اليمن، ولو دارت الدوائر على قطر ستجد أول من يقف دفاعًا عنها هي السعودية ودول الخليج العربية!. ألم يسأل القطريون (القيادة والشعب) أنفسهم ملاذا هذه الهرولة اإليرانية، والركض التركي صـوب بالدهم؟ هل سيغدق أولئك العطايا على قطر من أجل سواد عيون قادة قطر؟ أم أن الحضور واإلطاللة على الخليج هو الهدف؟. األكيد أن القيادة القطرية ذات الرؤوس الثالثة تتردى، وتسقط مـــن مـسـتـنـقـع إلــــى آخـــــر، وانــفــضــحــت تــنــاقــضــاتــهــا ومواقفها السيئة... وقد حان الوقت لـ«تطهير قطر» من الكذبة والحاقدين واإلرهابيني حتى تكون ثمة بيئة قادرة على التفاعل اإليجابي مع متطلبات األخوة وحسن الجوار، والتزام املواثيق والعهود، وتلبية مطالب محقة ال لبس فيها في ظل الحرائق املشتعلة
في أرجاء املنطقة.