Okaz

W d²A*« ‪UMO'« AEAEågŽ«oeò WŽULłË å5ýUA(«ò W‬

-

أعتقد بأن أزمة العقل العربي قديما وحديثا كامنة فــي الـتـسـيـج واالنــحــ­يــاز الــصــمــ­دي إلـــى مخرجاته الفكرية، والتعاطي مـع اﻵخــر وفــق ذلــك على كافة املستويات، بما فيها العقدي، ما يزيح من معاقد الـحـوار عنده مفردات: القبول، واملناقشة، والطرح، والتاقح.. وغيرها مما هو متاح فـي بساط الحرية والديموقرا­طية، والــشــور­ى، وتستوطن فــي مقابلها مــفــردات: الـنـفـي، واإلقــصــ­اء، والـتـبـدي­ـع، والتفسيق، والتكفير، وغـيـرهـا مــن األوصـــاف املستنسلة مــن قــامــوس القهر واإلذالل، ومحاولة تدجن اﻵخـر بأي صـورة من صور التدجن، في افتراق واضح ملنهج اإلسام القائم على توفير كل سبل األمان والحرية ومطلق الخيار لإنسان؛ «لكم دينكم ولي دين». إن مظاهر التطرف والغلو في العقل العربي تبقى حاضرة في كـل أوجــه نشاطه؛ االجتماعي، والثقافي، والسياسي، والديني، وإن كانت على املستوى الديني أكثر بــروزا وﻇـهـورا ملـا انطوى عليها من مﺂس كثيرة، تشابهت في إفرازاتها عبر التاريخ بحقبه املختلفة، بشكل يدعو إلـى العجب والسخرية، ويكاد يجعل من مقولة «التاريخ يعيد نفسه»، حقيقة ثابتة، وليست مجرد ماحظة من جملة املاحظات. ولــو عـقـدنـا مـقـارنـة عــابــرة بــن جـمـاعـة «الــحــشــ­اشــن» فــي الزمن املـــاضــ­ـي ومـثـيـلـت­ـهـا «داعــــــﺶ» فـــي زمــنــنــ­ا الــحــاضـ­ـر، فـسـنـجـد أن املشابهة بينهما قائمة بشكل متطابق؛ «حــذوك النعل بالنعل»، فجماعة «الحشاشن»، ﻇهرت في الفترة ما بن القرنن الخامس والـسـابـع الهجرين، منفصلة عـن الــدولــة الفاطمية، متخذة من سوريا وباد فارس معقا لها، داعية إلى إمامة «نزار املصطفى لدين الله» ومن جاء من نسله، بحجج أحقيته بإمامة املسلمن، ولم يكن لها من سبيل إلى تحقيق هذه الغاية إال العنف في أفظع صــوره، واملــوت بكل صــوره، فنشرت الـرعـب، وجعلت االغتياالت طريقها إلزاحة كل من يقف أمامها، واألعجب من ذلك أنها كانت تتخذ أسلوبا غاية في «الطرافة» إن نظرت إليه بعن «الكوميديا الــســودا­ء»، فبحسب مـا ذكــره الرحالة اإليطالي مـاركـو بـولـو، من أساطير في قصة شاعت باسم «أسطورة الفردوس»، جاء وصفه لـ«قلعة املوت» التي كان يتحصن بها «الحشاشون»، حيث يقول: «كانت فيها حديقة كبيرة مﻸى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجــداول تفيض بالخمر واللﱭ والعسل واملــاء، وبنات جميات يـغـنـن ويــرقــصـ­ـن ويــعــزفـ­ـن املــوســي­ــقــى، حـتـى يــوهــم شـيـخ الجبل ألتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعا دخولها إال ملن ينضمون لجماعة الحشاشن. كان شيخ الجبل يدخلهم القلعة في مجموعات، ثم يشربهم مخدر الحشيﺶ، ثم يتركهم نياما، ثم يأمر بأن يحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يشبعون شهواتهم من املباهج يتم تخديرهم مرة أخــرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أيــن أتـــوا؟، فــيــردون: مـن الجنة، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا األشــخــا­ص املـطـلـوب­ـن؛ ويـعـدهـم إذا نـجـحـوا فــي مهماتهم فإنه ســـوف يـعـيـدهـم إلـــى الـجـنـة مـــرة أخــــرى، وإذا قــتــلــو­ا أثــنــاء تأدية مهماتهم فسوف تأخذهم املائكة مباشرة إلى الجنة»! أليست هذه الصورة املحتشدة بكل عناصر «الكوميديا السوداء» ذات الصورة التي تتمثلها جماعة «داعــﺶ» اليوم في خطابها الــذي تتوسل بها إلى اليفع والسذج وهي تقودهم إلى املحارق واملـوت الزؤام، وهــي تختصر لهم الجنة فـي مـلـذات تبدأ مـن الخمر وال تنتهي عند الـحـور والـغـلـمـ­ان، فـي مشهد غــرائــزي بحت ال غــرو أن يجد له قبوال عند الشواذ واملراهقن واملنطفئن عقا وروحا ونفسا.. وقد شرعت لهم سوق نخاسة في القرن الواحد والعشرين يبيعون فيه الجواري والغلمان، في مشهد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه «وصمة عار في جبن إنسان القرن الواحد والعشرين». إن الحرب املضادة التي شنت على جماعة «الحشاشن» استطاعت أن تجتث شأفتهم، وأن توقف عدوانهم، لكن الثابت واملـؤكـد أن بذرة هذا «الشر» املقيت كمنت في العقل العربي، وبقيت حاضرة في جيناته تنتقل بصورة من صور االنتقال وتتكثف، متمظهرة بصور شتى ﻇللنا نشهدها على مر الحقب والسنوات، ووجدت في غفلتنا عن قراءتها على املستوى التاريخي واﻵنــي الفرصة للتمدد، فسمحنا لخطابات بالغت في غلوها وشطت في فجورها ولم تجد إال اإلغماضة عن سلوكها، والتغاضي عن تجاوزاتها، لـيـعـود «الــحــشــ­اشــون» مـــرة أخــــرى فــي مــســاخ «داعــــــﺶ»، وليس بينهما إال اختاف الافتات، ورنــن األسـمـاء فقﻂ، فالطرح ذات الــطــرح، والـعـنـف ذات الـعـنـف، واملـعـالـ­جـة ذات املـعـالـج­ـة.. فبقليل مــن الـنـظـر إلــى صـفـحـات الــغــد يستطيع املـــرء الــقــول بــأن الحسم العسكري لــ«داعـﺶ» أمر مهم وضــروري، وسيقضي على رؤوس الـفـتـنـة، ومـنـابـتـ­هـا، لـكـن هـــذه الــبــذرة املـقـيـتـ­ة ال تــــزال كـامـنـة في «وعـي» جماعات أخـرى، حاضرة في خاطرها وخطابها املخاتل واملــراوغ، فلئن ذهبت «داعـﺶ»، وهي بإذن الله إلى زوال، فا أقل من أن ننتبه إلى «دواعـﺶ» أخريات «يتبرعمن» بيننا في غفلة، ويتكاثرن بغريزة «بكتيرية»، فعالجوا األمر قبل أن نستيقظ على «حشاشن» جــدد، بافتة «داعشية» أكثر دمـويـة، وأبعد شططا، وأكثر فتكا وشرا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia