اإلنسان في مشروع البحر األحمر
أكــد إطــاق مـشـروع البحر األحـمـر السياحي العاملي أنـنـا نعيش فـعـا مـرحـلـة جــديــدة مختلفة، فـقـد جاء هذا املشروع ليضاف إلى مشاريع وتوجهات وبرامج نـوعـيـة كـبـرى كـانـت نتيجة قــــرارات جـريـئـة اخترقت الـــركـــود الــطــويــل والــنــمــطــيــة فـــي الــفــكــر االقتصادي والـتـنـمـوي عـمـومـًا لتحقيق طــمــوح مــشــروع بوضع اململكة في مكانها الائق ومكانتها املستحقة بني دول العالم املتقدمة واملؤثرة باالستثمار األمثل لثرواتها الطبيعية املتنوعة وخصائصها الكثيرة املتميزة. بمثل هذه املشاريع التحولية الكبرى التي تستقطب الــعــالــم بمختلف تـنـويـعـاتـه الـثـقـافـيـة واالجتماعية وتفتحنا أيضا على العالم، فإن ذلك يتطلب وبشكل حـتـمـي تــحــوال فـكـريـًا ثـقـافـيـًا تعليميًا واجتماعيًا؛ ألن الـتـحـول االقــتــصــادي وحـــده ال سيما حــني يكون بهذه الضخامة والنقلة الواسعة، لن نجني نتائجه الـتـي نطمح إلـيـهـا مــا لــم تتغير كـثـيـرا مــن الجوانب األخـــرى، وحـني نذكر التغيير فذلك ال يعني انساخ الهوية وإنما إزاحــة الشوائب الفكرية السلبية التي تعمدت عزلنا عن مجتمعات العالم، ورسخت لعقود طـويـلـة فـكـرة اسـتـهـدافـهـا لـنـا وتـآمـرهـا علينا دينيا وفــكــريــا وثـقـافـيـا لـتـعـزلـنـا عـنـهـا وتـخـيـفـنـا مـنـهـا، ال لشيء سوى ضمان الهيمنة بتعطيل اإلرادة واستاب حـــريـــة الــتــفــكــيــر واســتــقــالــيــة الــــقــــرار، وإشــــاعــــة فكر التشدد والحجر واملنع لكثير من طبيعيات الحياة وعادياتها. وكـــمـــثـــال، لـــو أخـــذنـــا مـــشـــروع الــبــحــر األحـــمـــر الذي يستهدف سواحا من كل العالم بدياناتهم وثقافاتهم وخلفياتهم املـتـنـوعـة، فـإنـه ال بــد أن يـكـون املجتمع الـسـعـودي قـــادرا على استيعابهم وفهمهم واحترام عــاداتــهــم وتـقـالـيـدهـم مثلما هــم يـحـتـرمـون عاداتنا وتــقــالــديــنــا اإلنــســانــيــة الــطــبــيــعــيــة الـــســـويـــة، وليس الدخيلة عليها من إقصاء وتشدد ونبذ وعداء عشوائي لآلخرين. هؤالء القادمون لن يكون وجودهم مقتصرًا على املكان وإنما بالضرورة سيختلطون باإلنسان، وإذا لم يكن اإلنسان مريحا ودودا وحضاريا جميا فإن املكان وحده لن يكون مقنعًا باملجيء. وهنا ربما نشير إلــى ضــرورة وجــود األنظمة املتعلقة بسياحة األجـــانـــب الــتــي تـضـمـن املــعــامــلــة الــراقــيــة لــهــم ومنع املتطفلني بـقـنـاعـاتـهـم الشخصية نـيـابـة عــن الدولة واملجتمع. أمـا فـي مـا يتعلق بـاملـدى الطويل للمرحلة الجديدة التي بدأناها فا بد من نقلة نوعية جذرية وجادة على الصعيد التعليمي واإلعامي والثقافي واالجتماعي، وإال ستكون النتائج أقل من الطموح.