Okaz

القابع في قعر البئر!

ﻋﻠﻰ ﺧﻔﻴﻒ

-

يمكن تشبيه املسؤول اإلداري الذي يفصل نفسه عن مواقع العمل في إدارتــه أو قطاعه، معتمدًا في معرفة التفاصيل اإلدارية واملالية والفنية على ما يرفع أو يكتب له من تقارير أو ما يقال وينقل له على لسان مساعديه من معلومات قد تكون صحيحة دقيقة وقد ال تكون كذلك، فيعتبرها حقائق نــاصــعــ­ة الــبــيــ­اض ويــبــنــ­ي عـلـيـهـا قـــراراتـ­ــه اإلداريـــ­ـــة وربما عـالقـاتـه الشخصية بموظفيه أو باملجتمع الـــذي يعيش فيه. يمكن تشبيه مـثـل هــذا املــســؤو­ل بـمـن نــزل فــي بـئـر عميقة وجلس على ضفاف بعض حجارها فهو ال يرى الشمس وال يصله إال القليل من الضوء وال يدري عما يدور حول فوهة البئر من أمور وقد يسمع صوت الرعد فيصيح من سكانه سائال الواقفني من مساعديه على فوهة البئر وحوله: هل نزلت األمطار وكم الساعة اآلن وما هي أخباركم وأخبار من حولكم وهل األمور تسير على ما يرام؟ فإذا تلقى إجابات مساعديه اعتمد عليها باعتبارها املـصـدر الوحيد الذي يستقي منه معلوماته عما يــدور خــارج قــاع الـبـئـر، حتى لــو حــــاول شــخــص مــا تـصـحـيـح مــا وصــلــه مــن معلومات مغلوطة وأراد االقــتــر­اب مــن فـوهـة الـبـئـر لـيـنـاديـ­ه مــن عٍل ويبلغه بحقيقة األمور، فإن املحيطني بالفوهة يستميتون في منعه من الوصول إليها، وإن وصل خلسة وبدأ يوجه رسالته الصوتية إلى القابع في قعر البئر، فإنهم يشوشون عليه برفع أصواتهم جملة واحدة حتى يضيع صوته فال يـعـود ذلــك املــســؤو­ل يسمع إال لغطًا شــديــدًا، وإذا استفسر فيما بعد عـن سبب مـا حصل مـن لغط فإنهم يزعمون أن مـراجـعـًا مـشـاغـبـًا حـــاول إزعــــاج «ســعــادتـ­ـه» واالدعــــ­ـاء زورًا وبهتانًا عليه وعلى إدارته فمنعوه من تحقيق هدفه اآلثم، فيشكرهم على إخالصهم ومـا بذلوه من جهود لحمايته وحـمـايـة إدارتـــه مــن املتطفلني واملـشـاغـ­بـني الــذيــن يريدون تجاوز األنظمة والقوانني. وقد ال يصحو مثل هذا املسؤول القابع في قعر البئر اإلداري إال بـعـد إقـالـتـه مــن منصبه بتهمة الـفـسـاد أو التسيب أو انخفاض اإلنتاج وعدم وجود إنجاز يذكر، وعندها يدرك ولكن بعد فوات األوان أنه كان يتلقى معلومات غير أمينة مـن مساعديه الـذيـن كـانـوا يكتفون بتمرير مـا يحلو لهم ويحقق مصالحهم من معلومات مستغلني كسل وتهاون واتكالية القابع فـي قعر البئر غير املحيط بما يــدور في إدارته وقطاعه من فساد ومخالفات ومظالم ومصائب كلها تصب ضد املصلحة العامة وضد سمعة اإلدارة والقطاع، فإن كان من حل بديال له في املنصب من العينة نفسها فإنه سيقول ملساعديه هيا نـزلـونـي! أمــا إن كــان إداريـــًا ناجحًا وحصيفًا ونزيهًا فإنه سيضع حــدًا لتصرفات فـريـق، إما بالتجميد، وإما بطي قيدهم، أو على األقل بعدم التجديد ملن تجاوزوا السن النظامية من أصحاب املراتب والعقود!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia