Okaz

الذكرى الـ 27 للخزي والعار اإلخواني

- خالد عباس طاشكندي ktashkandi@okaz. com.sa @khalid_tashkndi

وافق األربعاء املاضي ذكرى أحداث «الخميس األسود» الكويتي التي وقعت قبل 27 عامًا عندما شن الجيش العراقي عدوانًا غاشمًا على دولة الكويت فجر الثاني من أغسطس 1990 وقام باحتاللها في غضون يومني، وارتكبت حينها القوات العراقية فظائع وجرائم شنعاء بأوامر من الرئيس األسبق صدام حسني الذي كان وال يزال يلقبه البعض بكل أسف «سيف العرب» ويكتبون فيه القصائد واملرثيات، فالبعض من املحسوبني علينا يمجده عن عمد والبعض اآلخر «طاروا في العجة» خلف األوصــاف الرنانة التي تقال عنه، خاصة أبناء األجـيـال التي ولــدت في التسعينات امليالدية ومطلع األلفية الثالثة أو جيل الـ «سوشيال ميديا»، ولم يدركوا تلك الحقبة ويقفوا على الكثير من التفاصيل والحقائق على أرض الواقع ليعرفوا من هم األبطال الحقيقيون الذين ضحوا بدمائهم وأموالهم للحفاظ على أمن أوطانهم واستقرارها وتأصلت فيهم صفات النبل واملروءة والشهامة، ومن هم الذين شاهت وجوهم وسقطت أقنعتهم وقت الشدائد. من الصعب أن نغفل أن صدام حسني اكتسب شعبية كبيرة في الوطن العربي، ففي الثمانينات امليالدية، كان الكثير من ابناء الخليج والوطن العربي يرون أن صدام حسني كان بطال أسطوريًا وحاميًا للبوابة الشرقية بسبب حرب الخليج األولـى التي خاضها العراق ضد إيـران أو حرب الثماني سنوات - أطول حروب القرن العشرين-، والتي نشبت بعد خالفات حول منطقة الحدود املائية بني العراق وإيران املعروفة باسم «شط العرب» والتي دار عليها الكثير من الخالفات واملناوشات على مدى عقود إلى أن تم توقيع اتفاقية الجزائر عام 57م واتفق خاللها الطرفان على ترسيم الحدود، ثم ألغى صدام حسني االتفاقية عام 08م وأعلن الحرب بسبب استمرار االنتهاكات اإليرانية ودعمها للتمرد الكردي، وركزت تغطيات الحرب آنذاك على أن صدام كان يتصدى من خاللها ملحاوالت تصدير الثورة الخمينية حفاظًا على أمن العالم العربي، وكانت الصحف العربية واملحلية تكتب عن إنجازات الجيش العراقي في املعركة واالنتصارا­ت التي حققها وتقدمها داخــل العمق اإليـرانـي، وهـو ما عـزز شعبية صــدام حسني وصـورتـه في الشارع العربي، كما كنا نشعر بالفخر أيضًا بأن العراق استطاع أن يبني أول مفاعل نووي في العالم العربي وهو «مفاعل تموز» قبل أن تدمره إسرائيل في عملية عسكرية شنها سالح الجو اإلسرائيلي عام 18م وسميت بعملية «أوبــرا»، ووقفت دول الخليج مع العراق وقدمت له دعمًا اقتصاديًا سخيًا خالل فترة الحرب بلغ قرابة 14 مليار دوالر، ثم انتهت الحرب عام 88م بإعالن صدام انتصاره على إيران، وهو ما زاد من شعبيته في الوطن العربي خالل تلك الفترة وأصبح يلقب بسيف العرب. ولكن بعد انتهاء الـحـرب استغل صــدام تنامي قوته العسكرية واالنـتـصـ­ار الــذي أعلنه على إيران، وبــدأت املطالب العراقية تــزداد لدرجة االبـتـزاز، حيث طالب صــدام دول الخليج األعضاء في منظمة أوبك بتقليص إنتاج النفط لرفع سعر البرميل، حتى يتسنى له التخلص من ديون الحرب، وبالرغم مـن الـتـزام دول الخليج بتخفيض اإلنـتـاج إال أن صــدام استمر فـي طلب املـزيـد مـن املـسـاعـد­ات بحجة أنـه كـان يحمي الخليج من املـد اإليـرانـي، وهـو ما دفعه للتحرش بدولة الكويت وابتزازها ماديا، إذ اتهمها حينها بأنها قامت بأعمال تنقيب عـن النفط فـي الـجـزء العراقي مـن أحــد الحقول املشتركة بينهما، واعتبر ذلك سرقة للنفط العراقي وتعديا على سيادة الدولة، ثم حدثت بعدها فاجعة غزو الكويت واجتياحها واستباحة أراضيها وشعبها وأسر اآلالف من أبناء الكويت وتعذيبهم والتنكيل بهم وقتلهم وإخفاء رفاتهم. فـي تلك الفترة انكشفت األقنعة، وتحديدًا مــؤامــرا­ت تنظيم اإلخـــوان الـدولـي وفرعهم فـي الكويت إذ انتهزوا بشكل مخز ذلك الحدث الجلل للقيام بمحاولة االستيالء على الحكم في الكويت عبر مبادرة قدمها وفـد مـن التنظيم الـدولـي لجماعة اإلخـــوان إلـى صــدام حسني خــالل زيــارة أجـروهـا إلــى بغداد بعد تنسيق واتصاالت مع جماعة اإلخوان في الكويت، وكان الهدف منها إقصاء األسرة الحاكمة في الكويت وإدخـال قوات من عدة دول إسالمية إلى الكويت بموافقة صدام حسني، لتحل هذه الجيوش اإلسالمية التي ستجلبها جماعة اإلخـوان محل القوات العراقية في الكويت، ثم تقوم باإلشراف على إجـــراء انـتـخـابـ­ات ديمقراطية هـنـاك، وبـالـتـال­ـي ستقوم الحكومة املنتخبة بتلبية مطالب الحكومة العراقية وتقدم لها جميع التنازالت املطلوبة سلفًا، وأن هذا الخيار سيجنب العراق املواجهة العسكرية مع القوات األمريكية، وكان صدام متقبال لتلك املبادرة وكانت أحد أسباب قيامه بتغيير علم العراق وإضافة كلمة «الله أكبر» لكسب العاطفة الدينية عند الشعوب املسلمة وليتجاوز بها جريمة الغزو، وهــذا املخطط االنـتـهـا­زي الخبيث مـن قبل جماعة اإلخـــوان ومحاولتهم الــوصــول إلــى السلطة كان مكشوفًا ومثبتًا ولكن ظل إخـوان الكويت ينكرون ضلوعهم فيه ويقسمون أغلظ األيمان أن ال عالقة لهم فيه، إلى أن فضحهم الحقًا القيادي اإلخواني واملسؤول عن العالقات الدولية للتنظيم يوسف ندا بعدما زل لسانه في حوار مع أحمد منصور على قناة الجزيرة مطلع سبتمبر 2001 وبني خالل اللقاء الكثير من هذه التفاصيل املخزية عن لقاء أعضاء التنظيم بالرئيس صدام حسني وتقديم تلك املبادرة بالتنسيق مع إخوان الكويت. وخــالل فترة الـغـزو العراقي سافر وفــد مـن رمــوز اإلخـــوان فـي الكويت إلــى الــواليــ­ات املتحدة وقدموا أنفسهم بصفتهم «وفـد أهلي كويتي»، والتقوا بسفير الكويت في الواليات املتحدة سعود الناصر - رحمه الله - لتقديم املبادرة ذاتها التي طرحت على صدام حسني من قبل أفراد التنظيم الدولي لإلخوان، وتحججوا بعدم جواز االستعانة بالقوات األمريكية لتحرير الكويت وقالوا للسفير الكويتي أنه يجب محاربة األمريكان وطردهم من جزيرة العرب، كما طلبوا مبلغ 50 مليون دوالر لجلب تلك «الجيوش اإلسالمية» أو باألصح القوات املوالية لإلخوان، وكشف السفير الناصر حينها جميع هذه التفاصيل في عدة وسائل إعالمية بشهادة من حضروا ذلك االجتماع معه من مسؤولني في السفارة الكويتية في أمريكا وهم شخصيات دبلوماسية معروفة في دولـة الكويت، وال تـزال الشخصيات اإلخوانية التي قابلت السفير الناصر تكذب وتنكر أنها التقت به. وفي حوار أجرته صحيفة السياسة الكويتية مع األمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله في ،2004 أكد خالله أن بعض قيادات تنظيم اإلخــوان في عـدد من الــدول العربية واإلسالمية من بينهم الغنوشي والترابي والزنداني ونجم الدين أربكان، زاروا اململكة واجتمعوا بامللك فهد رحمه الله، وتم سؤالهم عن ما إذا كانوا يقبلون بغزو دولة لدولة؟ فأجابوا بأنهم أتوا فقط لالستماع وأخذ اآلراء، ثم غادروا إلى العراق وأصدروا في ذروة األزمة بيانا يؤيد الغزو العراقي للكويت ويناصرون فيه ما يقوم به الجيش العراقي، معتبرين أنه جهاد في سبيل الله، وأن كل من سيقاتل الجيش العراقي يعد آثمًا. أمـا مفتي قطر يوسف القرضاوي، فقد أفتى في ذلـك الوقت بعدم جــواز استخدام املـطـارات واملوانئ واألراضـــ­ي لضرب الــعــراق، مـنـددًا مـن قطر بــأي تـعـاون مـع الــواليــ­ات املتحدة ضـد الــعــراق، واعتبر أن مواجهة من اسماهم بـ «الغزاة» فرض عني على املسلمني، فيما تغافل عن تفسير موقفه من ما فعله صدام بالكويت وشعبها املسلم، أما الدعاة السعوديون املعروفون بانتماء اتهم الفكرية لتنظيم اإلخوان ومواقفهم املتخاذلة ضد وطنهم، فقد خرجوا في تظاهرات سبقت معركة تحرير الكويت للمطالبة بإخراج القوات األجنبية من جزيرة العرب ألن دخولها يعد ذنبا كبيرا ال يغتفر، وأن على املواطنني أن يخرجوا في تظاهرات بهدف «حماية جزيرة العرب من دخول أي دين آخر غير اإلسالم». وأخـيـرا.. انتهت تلك األزمــة وعـاد الحق إلى أصحابه وزهـق الباطل، واآلن وبعد مـرور 27 عامًا لتلك األحــداث، لم نشاهد دينًا غير اإلسـالم في الجزيرة أو أيًا من ذلك الهراء والتهويل اإلخواني، ونتائج موقف الحكماء في الخليج بعد انقضاء تلك األزمات بسنوات أظهرت وأثبتت من كان على حق ومن كان على باطل، وما قام به امللك الراحل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله أكد أنه كان رجل املرحلة باتخاذه موقفًا بطوليًا وقــرارات صائبة، وشهد له التاريخ ولكل من سانده في تلك األزمـة بالحكمة والحنكة والنبل واملروءة والشهامة. هذا جزء بسيط ويسير مما جرى خالل أزمة غزو الكويت، وسرد هذه الحقائق أو تكرارها، كان بغرض أن نوضح لألجيال التي لم تقف على املشهد بعينها ولم تسمع صفارات اإلنذار التي يئن طنينها في ذاكرة من عاش تلك األحداث املؤسفة، حينما كان صدام يوجه صواريخ السكود نحو الرياض وجدة ومكة واملدينة وباقي مـدن اململكة أمــال في تدمير هـذا الـوطـن.. وهكذا كـان تسلسل خيوط املؤامرات التي تحيكها تلك الجماعة املارقة التي توظف الدين ومبدأ الطاعة العمياء لقياداتها من أجل تحقيق أهدافها السياسية ومآربها الخبيثة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia