ما ينقص الوعي االقتصادي
ربما يكون االتجاه االقتصادي هو األقل صدامية بــني الـــــرأي والــــــرأي اآلخــــر عــلــى مــســتــوى الحراك الثقافي، فهو ال يجد مجاال للدخول إلـى بيئات الجدل التي تكثر فيها االختالفات الفكرية لطبيعة االتجاه الذي يشغل اهتمامات رواده، وعلى العكس من ذلك؛ فإن ما يقدمه االقتصاديون أصبح أكثر جـاذبـيـة للمتلقي فــي الـحـني الـــذي أصـبـحـت فيه املعلومة االقـتـصـاديـة ذات مكانة معرفية ضمن التحوالت الالفتة على واقع املجتمع والتي شملت االرتفاع النسبي للوعي االقتصادي، وهـذا ليس سيئا إنما هو فرصة. ذلك وغيره يبنى على ما يقابله من االحتياجات اإلنـسـانـيـة، كـذلـك فـإنـه مــفــروض بطبيعة تنظيم اإلنسان لعالقاته باملوجودات من حوله، ألنه في حالة سعي مستمر لتطوير قدراته في فهم واقعه بالتجربة التي تشكل لديه الخبرة، ولكن املالحظ أن الوعي االقتصادي يتماشى بخط مواز للوعي الثقافي رغــم التأثير املـتـبـادل لنجاح كـل منهما في تحقيق أهــداف اآلخــر، ولـو افترضنا أن رؤية اقتصادية ستساهم في حل الكثير من املشكالت االجتماعية فهي لن تحقق نجاحها ما لم يتبناها املجتمع ثقافيا ويتقبلها، كون التغيير الثقافي أساسا للتغييرات الشمولية. إن اإلنجذاب للمعلومة االقتصادية ولغة األرقام مــبــنــي عــلــى جـــوانـــب مـــحـــددة ولــيــس نــاتــجــا من فــهــم الـــفـــرد لـــــدوره االجــتــمــاعــي كـمـثـقـف وعارف فــي االقــتــصــاد، بينما الـفـهـم املــحــدود قــائــم على تلبية حاجاته في املجاالت الضئيلة املتاحة له، مـا يعني أن االقتصاد الريعي هـو أحــد العوامل األساسية التي أدت إلى ضعف املعرفة االقتصادية وحاجتها التضامنية لالنسجام مع واقع الحياة وتغييره نحو النمو والتطور. إذا كــان النظام االقـتـصـادي يشكل عامل التمايز األول بـــني املــجــتــمــعــات، فــــإن الــفــجــوة تــكــمــن في عــدم التعمق لـدراسـة العلة والتأثير االجتماعي للظواهر االقتصادية املختلفة، وهو االتجاه الذي يدرسه علم االجتماع االقتصادي الذي يأخذ في منهجه دراســـة الـتـحـوالت الـتـي يمر بها مجتمع ما، وما ينتج عنها من تعقيد، سعيا للتوفيق بني اإلنــصــاف والـعـدالـة االجتماعية ومــدى تأثيرها في التطور االقتصادي، حينها يأتي فهم النظام الحيوي بني دينامية االقتصاد وما يقابلها من األهــــداف اإلنـسـانـيـة للتنمية، ذلــك باعتبار كافة الـفـرص التي تجعل جميع الشرائح االجتماعية تساهم في تعزيز التماسك االجتماعي الذي يشكل أهم الضمانات لنمو االقتصاد.