Okaz

استعادة العراق للحاضنة العربية

-

بـدأت اململكة العربية السعودية منذ أشهر عدة عملية طويلة تستهدف استعادة الـعـراق إلـى حاضنته العربية، وتحريره مـن النفوذ اإليراني، وتجلت أحداث مظاهر هذا الجهد في استقبال ولي العهد السعودي األمير محمد بن سلمان مؤخرًا ملقتدى الصدر زعيم التيار الصدري العراقي في الرياض. لن تكون عملية استعادة العراق سهلة بطبيعة الحال بعد سنوات طويلة من اإلهمال العربي، الذي ترك فراغًا إستراتيجيًا كبيرا استغلته إيران ونجحت في اختراق العراق تمامًا، وتمددت فيه، وسيطرت على مختلف قطاعات هذا البلد العربي العريق، حتى أصبح اإلنسان العادي يعتقد أن العراق بكل ما يمتلك من بشر وموارد وتاريخ وقدرات إستراتيجية بات «تابع» ملاللي إيران يتحكمون فيه كما يشاؤون! لم يخطئ العرب وحدهم في حق العراق، فقد أخطأت القوى الدولية الكبرى أيضا حني سمحت بتمدد النفوذ اإليراني في العراق بل سلمته «هدية مجانية» إلى املاللي منذ سقوط نظام صدام حسني في عام ،2003 حيث عاثت إيران فسادًا هناك، وحرصت على نسف أو استنزاف أو تعطيل كل مظاهر ومــوارد القوة الشاملة التي يمكن االعتماد عليها في بناء عراق جديد، فقامت بتغذية الفنت الطائفية وتغيير التركيبة السكانية، وإحــداث هندسة ديموجرافية جديدة في كثير من املناطق العراقية بما يسمح ببقاء النفوذ اإليراني، واستمرار هيمنة املاللي عبر أتباعهم ومواليهم من الساسة الشيعة العراقيني. في ضوء ذلك تأتي أهمية الجهد السعودي الستعادة العراق، فهذا الجهد يستحق كل تشجيع عربي، حيث يتسم بالجدية ومن دون تدخل مباشر في شؤون العراق، ويمضي وفـق إطــار يحفظ للعراق سيادته ووحــدة شعبه، بعيدًا عـن الطائفية البغيضة التي عمقتها التدخالت اإليرانية طيلة السنوات الطويلة املاضية. رحـلـة اسـتـعـادة الــعــراق لـن تنجح بــزيــارة واحـــدة للسيد مقتدى الـصـدر إلــى الرياض، فالرجل معروف بمواقفه املناهضة للنفوذ اإليراني في العراق، كما يمتلك حساسية أيضًا ألي تدخل عربي في شؤون بالده، وهذا حقه وال جدال في ذلك، فالعراق بلد كبير كان يمثل إحدى ركائز األمن واالستقرار ضمن منظومة األمن القومي العربي، ونأمل أن يعود كذلك في املستقبل القريب. املــقــار­بــة اإلسـتـرات­ـيـجـيـة الـسـعـودي­ـة الــجــديـ­ـدة للتعاطي مــع الــعــراق قـائـمـة عـلـى البعد العروبي القومي، بعيدًا عن الطائفية واملذهبية املقيتة، وهـذا مدخل حيوي يمكن أن يفتح الباب لعودة العراق ويحافظ على وحدته الترابية في مواجهة مخططات التقسيم التي تتكرس كل يوم في املشهد العراقي. ليس من السهل مطالبة العراقيني اليوم بالتصدي للنفوذ اإليراني بني عشية وضحاها، فاملسألة لم تعد تتلخص في حشود من ميليشيات الحرس الثوري، بل باتت شبكات عميقة وضخمة مـن املصالح االقتصادية والسياسية تربط بـني املـاللـي والكثير من القادة السياسيني العراقيني، ناهيك عن أن املاللي لن يستسلموا بسهولة لفكرة استعادة العراقي لقوته وقــراره الوطني، بعد أن دانـت لهم السيطرة والسيادة على مــوارد هذا البلد ومصادر قوته بما يمكن إيران من توسيع نفوذها اإلقليمي والتمدد إستراتيجيًا والوصول إلى شواطئ البحر املتوسط. تحديد مستقبل العراق بعد طي صفحة «داعــش» واإلرهــاب التي عانى منها الشعب العراقي طويال يحتاج إلى تضافر جهود العراقيني جميعًا، وإعالء اسم العراق قبل أي والءات مذهبية وطائفية أخرى، ويجب على الدول العربية أن تساندهم في هذه الرحلة الشاقة الستعادة وطنهم الذي نهبت ثرواته وال تزال ملصلحة ماللي إيران وحلفائهم العراقيني. ومــــن مـصـلـحـة الـــعـــر­اق ذاتـــــه أن يــعــود إلــــى حــاضــنــ­تــه الــعــربـ­ـيــة، وأن يـسـتـعـيـ­د دوره اإلستراتيج­ي التاريخي، كركيزة إقليمية مهمة لألمن واالستقرار، وهناك وعي متنام على الساحة السياسية العراقية بخطورة الخضوع للنفوذ والوصاية اإليرانية، التي تمثل قيدًا على قرار العراق وسيادته الوطنية. استعادة العراق تمثل أيضًا خطوة مهمة على درب تخليص املنطقة بأكملها من الطائفية واملذهبية التي تسببت في تدمير دول ومناطق عدة من عاملنا العربي، وأسهمت في نشر اإلرهاب وتنظيماته، كما فتحت الباب لتدخل القوى اإلقليمية الطامعة القتطاع أجــزاء مـن دولـنـا العربية وتوسيع نفوذها، لـدرجـة جعلت املـاللـي يتباهون باحتالل عواصم عربية ثالث والتبشير بقرب احتالل العاصمة الرابعة. كـان مـن الصعب على الـعـرب أن يعايشوا تلك اللحظة التاريخية التي يتباهى فيها املاللي باحتالل عاصمة الرشيد، ولكن الخالص من هذا الكابوس يفترض أن يكون الرد األبلغ على املؤامرات اإليرانية الفارسية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia