صندوق النفقة

قد يكون قرار مجلس الوزراء بإنشاء صندوق النفقة من أهم القرارات التي أصدرها املجلس خالل الفترة املاضية، حيث إنه يعالج مشكلة معقدة وعميقة تمس شريحة واسعة من السيدات الالتي كن ضحية لرجل انعدمت منه املــروءة والنبل؛ فاستغل أوالده وأطفاله من ّأجل أن يصفي حساباته على مطلقته أو زوجـتـه التي هجرها أو علقها فمنع عنهم النفقة وأدخلهم في دهاليز الفقر والعوز، متنكرًا بذلك لكل الفطر اإلنسانية التي فطر ابن آدم عليها وهي شفقة األب على ولده والتفكير في مستقبله وأن يتحمل أعباء الحياة وشدتها من أجل أن يهيئ ألطفاله وأبنائه حياة كريمة تليق بهم. ال تـجـد األم مسلكًا غـيـر املـسـلـك الـقـضـائـي ملـالحـقـة ذلــك األب املتنكر ملعاني األبــوة، فتبدأ قصتها مع املؤسسات القضائية من خـالل رفع دعــوى قضائية تطالب فيها طليقها أو زوجـهـا بالنفقة، وتـبـدأ في الدخول في إجراءات قضائية معقدة وطويلة تستهلك عمر هذه املرأة حتى تصل فـي النهاية إلــى صــدور حكم قضائي يلزم األب بالنفقة ويحدد مبلغها، وما إن تنتهي هذه الدائرة حتى تدخل املرأة في دائرة ال تقل عن األولى تعقيدًا ورتابة، وذلك في الدوائر التنفيذية التي تقوم بتنفيذ هذا الحكم القضائي، ويستهلك عمر تلك السيدة باملرور على مراكز الشرط ومحاكم التنفيذ في كل شهر من أجل تنفيذ هذا الحكم القضائي الذي قد ال يتجاوز املبلغ املحكوم به خمسمائة ريال تزيد قليال أو تنقص قليال، تستهلك معظمها فـي رحــالت الليموزين من منزلها -إذا كــان لها منزل -إلــى املحاكم ومـراكـز الـشـرط لتنتزع ذلك املبلغ الضئيل من جيب ذلك البخيل منعدم املروءة. جاء ت فكرة صندوق النفقة لتقضي على هذه املشكلة وتتكفل الدولة من خالل هذا الصندوق بمالحقة هذا األب املمتنع عن نفقة أوالده، فتقوم بالصرف مباشرة على األم وأطفالها، ويقوم الصندوق بالرجوع إلى األب املحكوم عليه من خالل سلطة الدولة وأذرعها القانونية وتنفيذ الحكم القضائي في حقه، وتكمن عظمة هذه الفكرة أنها تفكير خارج الصندوق والتعاطي مع اإلشكاليات القضائية بطريقة غير تقليدية وخــارج الصندوق، وهـو األمــر الــذي لم يدركه األخــوة القائمون على وزارة العدل. وهـي خطوة تحسب ملن كـان وراءهــا ودعمها حتى رأت النور وحال بينها وبــن أن تغوص فـي أعـمـاق الــدوائــر البيروقراطية كما غاص غــيــرهــا، وهـــو صــاحــب الــســمــو املــلــكــي األمـــيـــر مـحـمـد بـــن ســلــمــان بن عبدالعزيز ولي العهد الذي أيد هذه الفكرة الخالقة ودعمها وتابعها حتى خرجت إلـى العلن، ونأمل أن تكون هـذه الفكرة بداية ملنظومة من اإلجراءات غير التقليدية والتي تقضي على الكثير من إشكاليات املؤسسات القضائية املتعددة والتي أصبحت ال تخفى على أحد إال على القائمن على إدارة امللف العدلي في البلد.