عين الصواب
قيادة املرأة قريبًا
حكى لنا صاحبنا الخمسيني قصة طريفة تقول: إنه كان يشتري من سوبر ماركت الحارة، ودخلت عليهم امرأة برفقة رجل ملثم، عندها أحس بأنه أمام حالة سطو مسلح، توجهت املرأة وهـي بكامل حشمتها إلـى األرفــف املخصصة للحلوى والشكوالتة، بينما ظل الرجل امللثم واقفًا وسط البقالة مرة يرمق صاحبنا ومرة يرمق البائع، يقول صاحبنا: بـدأ ذلـك الرجل يقترب مني شيئًا فشيئًا حتى شعرت بأنني أصبحت رهينة وأن أجلي قد دنا ال محالة! ربــت الـرجـل على كتف صاحبنا وقــال لــه: «يا أخي وجهك هذا ما هو غريب عليه؟!»، ليجيبه صــاحــبــنــا: «الـــلـــه يــأخــذ عـقـلـك تـــــراك فجعتنا بلثمتك هــذي تـقـول عليك ثـــــــأر؟!»، هـنـا تنهد الرجل وقال: «لو كان ثأر كان أهون، لكن ابنتي هذي لها ساعتن تزن على راسي تبغي البقالة، وبيني وبينك أنا خائف عليها تنزل لوحدها، ومـن جهة مستحي أنــزل معها، خائف ال أحد يشوفني مـن الجماعة ويـقـول عني هرجة ما هي حلوة.. عاد وين أودي وجهي بعدها؟!». ربما يرى الكثيرون منكم أن هذا الرجل امللثم إنسان متخلف كان يعيش في العصر الحجري قبل أن تنقرض ساللته، وأنه لم يعد له وجود بيننا في الوقت الحاضر، والحقيقة أنه مجرد عـيـنـة مــن شـريـحـة كـبـيـرة تـعـيـش فــي أوساط مجتمعنا، تظهر بشكل أو بـآخـر فــي حاالت مشابهة، شريحة تسكنها الهواجس والظنون الدائمة تجاه املرأة، ال لشيء ال سمح الله، سوى أنــهــم اعـــتـــادوا املــبــالــغــة كــثــيــرًا فــي التضييق عليها، واالنتقاص من عقليتها وقدرتها على مواجهة الحياة! هذه الشريحة أشبه ما تكون بتلك الخفافيش الــتــي تسكن الــحــجــرة الـقـديـمـة، ال أحـــد يشعر بـوجـودهـا على اإلطـــالق إال حـن يفتح النور عــلــيــهــا، حــيــنــهــا تــــــــزداد حــركــتــهــا وتتعالى أصواتها، رأيناهم سابقًا مع بزوغ نور تعليم املـــرأة، ثـم رأيناهم مـع املطالبة بعملها بائعة وكاشيرة، ثم رأيناها عند اقتراح االبتعاث ثم الرياضة املدرسية للبنات، وقــد كانت الغلبة في كل مرة لنور الحضارة والتقدم، فيما تعود الخفافيش منكسرة لسكونها وظالمها حتى يشع نور جديد. مــع كــل هـــذا فــإنــنــي أنــظــر بــتــفــاؤل تــجــاه هذه الـقـصـة، بــل إنـنـي أجــدهــا قـصـة رمــزيــة تحكي فــصــول تـلـك املــعــارضــات الــدائــمــة لـكـل مــا هو متعلق بـاملـرأة، فالزن الدائم يؤتي ثماره ولو بعد حــن، أمــا الـخـوف مـن التغيير فهو نابع من توخي نظرة الناس، ثم ما يلبث أن يصبح أمـــرًا عــاديــًا، لـقـد تـغـيـرت أشــيــاء كــثــرة لــم نكن نحلم بتحقيقها للمرأة، وأتوقع أن يكون القرار القادم هو السماح لها بقيادة السيارة، لنرى ذلــك الــرجــل املـلـثـم يـركـب مــع ابـنـتـه املحتشمة ويرمقنا بعينه قبل أن تبتسم وجنتاه!