Okaz

املعرفة العرجاء وسد العجز

- عبد اهلل آل عامر

املــــعــ­ــرفــــة بـــمـــنـ­ــابـــعــ­ـهـــا املـــــتـ­ــــعـــــ­ددة األلــــــ­ــــوان، وتــكــويـ­ـنــاتــهـ­ـا الــراســخ­ــة الــبــنــ­يــان، هـــي أهم االشــتــر­اطــات األمـنـيـة لـحـيـاة كـريـمـة يبحث عنها اإلنسان في كل زمان ومكان. وحتى أختصر تعريفات املعرفة، فإنك مخير فيما عرفت، مسير فيما ال تـعـرف. بمعنى: إن عرفت اسـتـخـدام تقنية الهاتف املحمول ستعرف أي الشركات هي األفضل لتشتري منها هاتفك، وإن لم تعرف فستتبع طريقة «شختك بختك» لــشــراء هــاتــف لــن تـمـكـنـك مـعـرفـتـك مــن اســتــخــ­دام ٥٪ من قدراته. ذات يوم تفاجأت أن طفلتي الصغيرة تتلعثم بكام غير مفهوم مخاطبة أختها األخــرى التي بدورها تـرد بنفس الطريقة!، ولكن بـصـورة أفـضـل، حيث فهمت مـن كامها !)yeas( وهي داللة أن الحوار يراد به اللغة اإلنجليزية. ومن خال معرفتي غير العميقة بهذه اللغة، فكرت مرارا وتكرارا أن أشمر عن ساعدي، وأشحذ الهمة؛ ألروي شغف بناتي بمعرفة هـذه اللغة «الـتـي أجهلها»، ولكني وقفت أمـــام تــجــارب اآلخــريــ­ن فــي نـقـل املــعــرف­ــة، وراجــعــت نفسي كثيرا حتى اتخذت قراري. ذات يـــــوم كـــانـــت هـــنـــاك فـــتـــاة تــــــدرس الــثــانـ­ـويــة العامة، ووقفت معلمة الدين مذهولة من قراءتها لسورة الفلق، حيث أبدلت حـرف الــ «ذ» في «أعــوذ» بحرف الــ «ز»، ومع محاوالت املعلمة املتكررة، فشلت في تغيير نطق الحرف، وحني عرف السبب «بطل» العجب، حيث تعلمت هذه الفتاة قــراءة السورة وهي طفلة على يد معلمة «غير سعودية» تنطق الذال زايا، فغيرت مخرج حرف الذال حتى يأذن الله بإعادته ملساره الصحيح. هي قصة واحدة، وفي القصص عبر وآيات، قصة جعلتني أتخذ قراري النهائي رحمة بطفلتي من مشرط تعليم قد يحول مجال املعرفة لعقم شديد تــزول الجبال، وال تزول القناعة به. إن العبث باملعرفة عبث بالثروة الوطنية، والناتج القومي، ألنه ينتج جيا «مشوه» املعرفة، سيبني وطنه بطريقة ال

ًٍ تمت لنسبية أينشتاين بصلة؛ بل سيخلق منه تناقضا عجيبا يكون شخصية مليئة بالقلق والتردد والخوف من كل جديد. وعلى ذكر املعرفة، وطموح اإلنسان في وطني، فإننا في اآلونـــة األخــيــر­ة سمعنا كـثـيـرا مـن وزارة التعليم املعنية بتعليم املعرفة عـن مصطلح «ســد العجز»! والــذي يعني نصا: أن تشغل الحصة الدراسية بأي إنسان لديه مسمى وظيفة «معلم» أيا كان تخصصه! فمعلم التربية الخاصة قد يتحول بقدرة قــادر معلما ملــادة العلوم! واملعلم الذي درس وتخرج كملعم رياضيات، قد يسد به العجز، فيكلف بتدريس مـادة اللغة العربية! هذا ما يعني تحديدا «سد الــعــجــ­ز»! ثــم نــغــضــب مــن أولـــيـــ­اء األمـــــو­ر حــني يشاهدون مستويات أبنائهم املعرفية تقف فاشلة أمـام الكم الهائل املـتـسـار­ع للمعرفة! وقــد تـصـدرت فـي صحفنا اإلجراءات الثمانية الـتـي تعتقد مــن خالها الــــوزار­ة أنـهـا ستشحذ الطاقات، وتعالج االحتياج نحو عام دراسي مستقر! وذلك بالدمج في تخصصات املعلمني، والفصول؛ لسد العجز، ووقــف الـهـدر! أن تدمج مــواد مثل «التاريخ والجغرافيا» حتى نـسـد العجز فـذلـك الـعـبـث بعينه! نعم ستنجح في إشغال الحصة ولكننا سنجني ثمار «ذال» الفلق مجددا! ذلـك أن املعلومات املـوجـودة لـدى «املعلم» لن تصل للحد األدنى من الكفايات التدريسية للمادة؛ مما سيؤثر سلبا في إدارته للفصل، وسيضطر املعلم مرغما أن يتعامل مع املوقف كيفما اتفق! ويجعل الطالب يعود بخفي حنني من املدرسة؛ وحتما ستقول األسرة بكل حسرة: ال بارك الله في معلم هذه املــادة! وهـذا باختصار أهم األسباب التي أدت إلى إحباط املجتمع من التعليم. نعم بذلك ستنجح الــوزارة في سد العجز، لكنها ستفشل في تنمية اإلنسان. وإنـي «أشــور» على الــوزارة والشور والقرار لهم، أن تلغى املــــادة الــتــي سـتـضـيـع بسبب الــدمــج حـتـى يـفـرجـهـا فاطر السماوات واألرض، وذلــك أجــدى وأربــح وأنفع من إسناد

ُِِّّ املادة ملعلم قدر له أن يكون «أبا الفزعات» «العابث» بعقول أبنائنا لـ سد العجز! لست بصدد تفنيد كامل اإلجراءات الــوزاريـ­ـة السابقة الـذكـر؛ ألن مـا ورد فيها يـهـدم العملية التعليمية من أجل سد العجز فقط في غياب الجودة، لكن ما أنا متأكد منه أننا منذ عقود نطمح باملزيد من وزارة التعليم وهــي أهــل لتحقيق طموحاتنا حتى وإن تأخر تحقيقها، ومهما بلغ تشاؤمي، فإني إيماني الراسخ يقول لي: هناك 2030 ستقتلع في طريقها جذور فكر «لديكم ربع معلم زائد» وتستبدله -بإذن الله- بجودة تعليم تتاسبق الدول لتنهل من معينها الذي لن ينضب بمشيئة الله. بصيص أمل: من باب كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته «قررت» حماية بناتي من عبث معرفة عرجاء، فهل ستنهج الوزارة نهجي!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia