أغلقوا أبواب اجلنة
من استمع للفنان الكبير محمد عبده وهو يروي كيف دفن أمه، أكاد أجزم أن عينيه طفرت بالدموع كما حدث ألبي عبدالرحمن وهو يروي ما حدث ذات صباح غائم بالحزن والفرقة واألسى.. روى الفنان محمد عبده قائال: «دخلت بها للمسجد النبوي فجرا، بـعـد أن صلينا عليها صــالة الـعـشـاء فــي املـسـجـد الــحــرام (وألن الدفن غير ممكن ليال) توجهت بجنازتها للمسجد النبوي حيث صلي عليها بعد صالة الفجر، وتحركت الجنازة، وكنت أسير في آخر الجنازة، علشان ال يقول الناس هذه أم الفنان فيبطلوا املشي في جنازتها..» ! هذه هي الحرقة التي من أجلها طفرت دموع محمد عبده.. حرقة النفس وحريق الوعاظ حني رسخوا في أدمغة الناس بأن الغناء حرام، حتى إذا مات أحد الفنانني ضن هؤالء الدعاة والوعاظ أن يترحموا على امليت كونه فاسقا ! وتــذكــرت كــم هــي الـلـعـنـات الــتــي صــوبــت نـحـو جــريــدة «عكاظ» ومحرريها، أذكر عندما مات الفنان الكبير طالل مداح (رحمه الله) كنت مشرفا على سوق عكاظ، وهو قسم خاص بكل ما له عالقة بالقراء، قمنا بإعالن استقبالنا العزاء في رحيل صـوت األرض وفتحنا جميع خطوط القسم.. وكانت الفجيعة هطول اللعنات املسمومة من كل تلفون ارتفع وكان في الطرف اآلخر متشدد، في األيام الثالثة األولى أشيع أن الحيات تحوم حول قبر طالل مداح، وأن البعض كان يسمع أصواتا غليظة تخرج من القبر ! ومع رحيل الفنان القدير عبدالحسني عبدالرضا رحمه الله ظهرت تلك األصــوات الناعقة على أرض الفرقة والتباغض واملشاحنة لبذر حبوبها الفاسدة واملحرضة والداعية للكره، وتبرع بعضهم بإغالق أبواب الجنة عن عبدالحسني عبدالرضا.. يــال القهر.. فكلما قلنا إن طيور الـظـالم ضمر نعيقها ولــم نعد نـسـمـعـه، فــــإذا بـالـلـيـالـي تـظـهـر مــقــدار تــكــاثــر األشـــجـــار اليابسة وعلى فروعها الغربان والبوم الذين لم يكفوا أذاهم عن األحياء واألموات معا. وملــــا بــــدر مـــن هــــؤالء الــغــربــان مـــن نــعــيــق قــــام عــــدد مـــن املثقفني الـسـعـوديـني بصياغة بــيــان يــرفــض ويــديــن األصــــوات املحرضة على الطائفية والكره، ويحمل العزاء ألسـرة الفنان عبدالحسني عبدالرضا (رحمه الله) للمجتمع الكويتي والخليجي والعربي. وألن لــديــنــا قــانــونــا يــجــرم بـــث الــفــرقــة والــكــراهــيــة والتعصب والـطـائـفـيـة فعلى الـجـهـة املعنية تـولـي مهمة لـجـم هــذه األفواه املـحـرضـة، فتكفينا التحريضات السابقة الـتـي خـرقـت السفينة من وقت مبكر.. وعلينا املحافظة على اللحمة الوطنية بعيدا عن خطاب الكراهية.