الرقص على أشالء الدواعش !
األحـــــــــــداث تـــتـــكـــرر واملــــعــــانــــي تــــتــــداعــــى، والــــغــــالة واملـتـنـطـعـون يـظـهـرون فــي كــل زمـــان يتكئون على عكاز الدين بعد أن أعيتهم الحجة ونقصهم الدليل، ولكن سرعان ما ينتهون كمن يركل حجرًا ويتأمل ما يحدثه من مــوجــات دائــريــة تـأخـذ بــاالتــســاع قـبـل أن تـتـالشـى، ويـبـقـى الدين الــخــاتــم بـتـسـامـحـه ومـتـانـتـه وســالســة أحــكــامــه هــو سـيـد الزمان واملـكـان (فما شـاد الدين أحـد إال غلبه). في العام 1332 قـرر ملك فرنسا فليب الــســادس القيام بحملة صليبية الســتــرداد األماكن املقدسة التي فقدها املسيحيون في الشرق. تطوع القديس الفرنسي (بروكار دوس) لكتابة رسالة للملك يحدثه فيها عن األخطار التي تنطوي عليها حملة الشرق واالحتياطات الواجب اتخاذها لدرء هذه األخطار، وكان أهمها الحذر من فرقة تدعى الحشاشني الذين ينبغي على اإلنسان أن يلعنهم ويتفاداهم. إنهم يبيعون أنفسهم ويتعطشون للدماء البشرية ويقتلون األبرياء مقابل أجر، وال يلقون اعتبارًا للحياة أو النجاة وهم يغيرون مظهرهم كالشياطني التي تتحول إلى مالئكة من نور، وذلك أنهم يحاكون الحركات والثياب واللغات والعادات في ثياب الشاه لتنفيذ أغراضهم ويتعرضون للموت بمجرد أن يكتشفهم الناس. ال أستطيع أن أبني كيف يمكن أن يعرفهم اإلنسان من واقــع عاداتهم، ألنهم في ما يتعلق بهذه األشياء غير معروفني، كما ال يمكن معرفة أسمائهم إذ إنهم بسبب بشاعة مهنتهم وكـراهـيـة الجميع لهم يخفون أسـمـاءهـم قــدر ما يستطيعون، فهم قتلة مأجورون سريون من نوع خطر إنهم فرقة مكروهة بسبب عقائدها وأفعالها من جانب املسلمني واملسيحيني على السواء، يعيشون وراء أسوارهم وقالعهم الحصينة ويقتلون املجاورين لهم بطريقة تدعو للدهشة. رئيسهم له من القوى بحيث يستطيع أن يرسل أتباعه بخناجر مسمومة لقتل الكثيرين دون اعتبار لنتائج فعلته أو الهرب بعد أدائها، بمجرد أن يتلقى التابع أوامــر زعيمه تـأخـذه الحمية والحماسة حتى تسنح لـه الفرصة لتنفيذ أوامره، له أتباع ال يقلون عنه مكرا ودهاء إلغراء الصغار على االنضمام لفرقتهم، حيث يلقنونهم من شبابهم إلى رجولتهم بواجب إطاعة زعيمهم في كل ما يأمرهم بـه، فهم إن فعلوا ذلك سوف يهبهم مسرات الفردوس والبهجة الخالدة من جنات وعيون وأنهار وحور عني، وأن ال أمل في النجاة إن هم قاوموا إرادته في أي شـيء. يؤكد أسقف عكا (فيتري) أن فرقة الحشاشني بـدأت في إيــران يعضد هـذا الــرأي القس البلجيكي (رويـــدروك) الـذي الحظ وجود الحشاشني بمنطقة جبال الخزر وبحرها. تم القبض على أفـراد من هذه الفرقة في أنحاء أوروبــا من أجل القيام باغتياالت سياسية وإشاعة الفوضى والرعب، وينظر املستشرق النمساوي (جـوزيـف هـامـر) إلـى الحشاشني بأنهم يسيئون استخدام الدين ببشاعة لخدمة الطموح الرهيب الذي ال يلجمه شيء، عالوة على أنهم اتحاد من الدجالني واملغفلني استطاع تحت قناع من التشدد الديني واألخالقي اإلساءة إلى كل األديان واألخالقيات وأن يبثوا الرعب في قلوب الجميع. من هذه املالمح يتحدد أن دواعش اليوم والــذيــن انكشفت سيئات أعمالهم مــن قتل وحـــرق وسـبـي ودمار لآلثار واإلنسان بأساليب شيطانية قـذرة ال يختلفون في الشكل واملـضـمـون عـن حشاشي األمــس فهم تركيبة واحـــدة مـن التلفيق والخلط واالتكاء على النصوص الدينية وتفسيرها خارج زمانها ومكانها وسيرورتها التاريخية واالجتماعية واإلنسانية، حقبة تاريخية مفزعة انتهت ثم عــادت في صــورة أكثر عنفًا وهمجية على شكل تنظيم ثقافته الدماء والنساء والقتل والـدمـار. داعش وهو في طريقه للزوال بعد أن داسـت دول التحالف بقدم من نار على تجمعاتهم لينتهي وهـم الخالفة ودولتهم الكاذبة، بعد أن عــرف الجميع زيــف شعاراتهم ودنـــاءة أعمالهم وحـتـى ال تشهد الحضارة اإلنسانية عودة هذه التجربة البغيضة ال بد من العمل عـلـى تنقية الـفـكـر الــديــنــي مـمـا عـلـق بــه مــن كـــذب وافـــتـــراء الرواة وتمويهاتهم وتنقية كتب اآلثــار والـتـراث من كل حديث نشاز ال يتفق مع العقل واملنطق، يــروج للقتل والتدمير وكــره اآلخــر وأن نـشـرح للناس معاني الـــوالء والــبــراء ومفهوم الجهاد الحقيقي، وال يعني قـول الله تعالى {قـاتـلـوا الــذيــن يلونكم مــن الـكـفـار} أن نقتلهم على إطالقه وفيهم املستأمن واملعاهد واملستجار واملرأة والطفل، فلفظ الكفار لفظ عام وما عام إال وخصص. إن الكليات الخمس الدين والنفس والـعـرض والعقل واملــال املحافظة عليها قدر مشترك بني شرائع السماء املختلفة وقوانني األرض، ال بد من إعادة تفسير الكثير من النصوص طبقًا لواقعنا الذي نعيش فيه وانطالقًا من عاملية رسالة محمد عليه الصالة والسالم، فال يمكننا أن نتمسك بالصورة التي رسمها األوائل حني كان العالم ال تحكمه اتفاقات وال تنظمه قوانني. لقد وجد هؤالء املتطرفون أن التالعب بالنصوص الدينية والخروج بها عن سياقها أمر يسهل عليهم تمرير أجندتهم اإلرهابية دون النظر إلى أن مفاهيم مثل السبي والــعــبــوديــة وقــتــل املــخــالــف واالحــتــفــاظ بــالــجــواري واملحظيات، وتـدمـيـر اآلثـــار لـم تعد مقبولة اآلن، فتفتيت الفكر املـتـطـرف هو درهم الوقاية املطلوب.