Okaz

عبدالرضا.. غياب يجرح وجه السعادة

- خالد الجاراهلل (جدة)

كــديــمــ­ة هــطــاء يــرومــهـ­ـا يــبــاب املــثــقـ­ـلــني بــبــؤس الحياة، يتحينها أولئك العطشى الهاربون من وعثائها رتابتها، مر عبدالحسني عبدالرضا طيفًا عابرًا دون أن تقبض عليه ضحكاتهم وتصطاده أعينهم. مر خاطفًا في غفلة منهم.. وقد أغـدق عليهم زمنًا طويا بضحك ال ينتهي، وكوميديا أنيقة ما انفكت تخطفهم إلى حيز ال هموم فيه وال كدر. مات عبدالرضا.. وعشاقه لم يعهدوه يوما يجرح السعادة الــتــي تــشــع مـــن وجــهــه لــقــلــو­بــهــم.. لـــم يــعــهــد­وه أن يقطب حـاجـبـيـه الـــودودي­ـــن الـلـذيـن لـطـاملـا قــــوس بهما مامحه الضاحكة وشكل عبرهما حضوره املدهش السلس. الــيــوم.. للبكاء حرقته وللحزن هيبته.. فالفن الخليجي أصبح يتيمًا.. ووجه الكوميديا بات شاحبًا كئيبًا! رحل عبدالحسني.. املؤسس الحقيقي ملسرحنا الخليجي، وأول الراسخني على خشباته بثبات لم يسبقه إليه أحد، حتى أنه ما برحه إال ليعود إليه واثبًا من جديد نحو سفح شاهق وعلو باسق، قل أو استحال وصول سواه إليه. أعــاد عبدالحسني تشكيل الفن الخليجي، فكان قاموسه ومعجمه، تشرب القادمون الجدد أسلوبه املشبع بالفخامة، فكانوا جيا بعد جيل ينتمون إلى مدرسته بالعمل معه أو التتلمذ على مشاهده الخالدة في ذاكرته. سيرته الفنية تتدفق فخامة وأنــاقــة، منذ بدايتها حني استهلها أوائــل ستينات القرن املاضي بمسرحية «صقر قـــريـــش» بــالــلــ­غــة الــعــربـ­ـيــة الــفــصــ­حــى، الــتــي انــتــهــ­ز فيها بصيص ضـوء ليخطفه ويضوي به إبـداعـًا، كـان بمثابة الصفر الذي انطلق منه والقاعدة التي انطلق منها. من منا ال يذكر «درب الـزلـق» أو يستمتع بـــ«األقــدار»، أو يــغــرق ضــاحــكــًا فــي «بــــاي بـــاي لــنــدن» و«عــلــى هــامــان يا فـرعـون»، من منا لم تهز وجـدانـه فصول مسريحة سيف العرب. سـيـشـتـاق مــحــبــو­ه إلـــى الــــروح املــرحــة الــتــي طوعت الـــضـــح­ـــك لــــعــــ­اج قـــضـــاي­ـــاهـــم الـــشـــا­ئـــكـــة، وطوعت أوجـاعـهـم ومشكاتهم ليضحكوا ويستمتعوا به ومعه، سيشتاقون إلى حسينوه ودواس وبو عليوي وبن عاقول وعبدالله العافور وعتيق. حـتـى مـشـهـده األخــيــر سيبقى عظيمًا وخــالــدًا في ذاكـرة الناس، فروحه التي قبضت في لندن، وقلبه الـــذي تــوقــف عــن كــل شــيء إال الــحــب، الــتــأم حولهما محبوه وعشاقه على اخـتـاف جنسياتهم وطوائفهم واهـتـمـام­ـاتـهـم، ليخاطبوه بجملة واحــــدة.. «وداعـــًا أيها العماق». سيودع الكويتيون والخليجيون فارس املسرح الخليجي واألب الــروحــي لـــه، فــي مـشـهـد اسـتـثـنـا­ئـي يـجـهـزونـ­ه من أجــل أن يـكـون وداعـــا يليق بـه وبتاريخه املمتد لعقود، وشعبيته الشاسعة على امتداد صحاري الجزيرة وسهولها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia