االستعداد اآلن وليس غدًا
ثمة قضايا تثار على مستوى الــرأي العام وسرعان ما تخبو وكأن تلك القضية لم تمر ببال أحد من البشر، ولم تحرك الناس للحديث عنها والجدل حولها.. والــكــاتــب ربــمــا يــظــل مــتــذكــرا الــقــضــايــا الــتــي يطرحها ويـعـاود الحديث عنها أو حولها عل ما ال يكن مقبوال يــأتــي عــلــيــه زمــــن يــكــون مــقــبــوال، وكــثــيــر مـــن القضايا تحولت من الهامش إلـى املـن بسبب التغيرات الفكرية االجتماعية، ولكل حقل معرفي نقات نوعية يمكن لها اإلســهــام فــي إحــــداث مـتـغـيـرات اجـتـمـاعـيـة وأذكــــر بأني كتبت مـقـاال (ضـمـن عــدة مـقـاالت عبر سـنـوات كتاباتي الصحفية) عن التجنيد والفقه وأن حياتنا تندرج عبر أســس تـربـويـة نتعلمها ونـكـتـسـب صياغتها فتخالط مـشـاربـنـا وأهـــواءنـــا ومـــن خـالـهـا تـتـكـون سلوكياتنا، فكثير من املعارف تندمج فيها املعرفة بالسلوك لتشكل قناعاتنا. واالنتماء الوطني بذرة يتم ريها من وقت مبكر بوسائل مختلفة وفـق ما هو ديني أو تعليمي أو أيديولوجي، وفي املجتمعات الحديثة لـجـأت كثير مــن الـــدول إلــى الـخـدمـة الـوطـنـيـة واختيار شبابها للمشاركة في الخدمة العسكرية لتعزيز القوة الوطنية فـي الـحـرب العاملية الثانية، فظهر كمصطلح قـاس (التجنيد اإلجـبـاري) كان يحمل عنفوان الحروب ويــدلــل عـلـى االحــتــيــاج الــوطــنــي لـشـبـابـه فــي الــــذود عن مبادئه وسيادته وحـدوده، علما أن البشرية استخدمت هذه الوسيلة منذ فجر التاريخ كواجب إنساني يستشعر بـه الـفـرد مـن غير أن يدفع إلـيـه، وجــاء اسـتـخـدام مفردة اإلجبار في زمنية احتاج الوطن لكل أفراده. وفـــــي أوقـــــــات مــبــكــرة كـــــان الـــكـــتـــاب يــطــالــبــون بإدخال الشباب إلــى الخدمة العسكرية ألسـبـاب مختلفة إال أن تلك املـطـالـبـات كــان يتم القفز عليها بحجج مختلفة.. أمـا اآلن والـظـروف املحيطة بنا تستوجب إعــادة هيكلة بنية املجتمع ووضع أمن البلد كأسس أولى للدفاع عن منجزاته وبنيته، وكـذلـك انصهار جميع األطــيــاف في وحدة البناء؛ لذلك يستوجب األمر استدعاء طاقة الوطن الشابة.. وألن الحياة تسير وفق احتياجاتها فإنها تتشكل وتأتي على ما كانت ترفضه حتى يغدو ملحا؛ ولذلك نجد من كان يعارض تجنيد الشباب سوف ينساق إلى تكاملية بنائية الواقع املفروض عليه. وقد سبق أن دعا املفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بــن عـبـدالـلـه آل الـشـيـخ بـقـولـه «ال بــد أن نـهـتـم بشبابنا ونــهــيــئــهــم، والــتــجــنــيــد اإلجــــبــــاري، إذا وفـــقـــت األمــــة له، سيساهم في إعداد الشباب ألداء املهام». وهـــي دعــــوة تــدلــل عــلــى أن كـــل زمـــن يــحــتــاج إلـــى وعي فقهي، بحيث ال تستطيع الحياة التقدم فـي ظـل تأخر فقه الــواقــع.. وكثير من األمــور املعيشية تعطلت بسبب االفتراق بني واقعني لم يتكاما. وكـذلـك نتصور أن الخدمة العسكرية للشباب ستكون خـــدمـــة لــتــوظــيــف قـــدراتـــهـــم وإســــقــــاط حـــزمـــة ضــــوء في سبيل جديد لخدمة الوطن... ومع تكالب الظروف التي تستوجب حماية أمننا يستوجب معها رفـع أعــداد من يــكــونــون مـهـيـئـني لـحـمـل الـــســـاح والـــدفـــاع عـــن األرض واألمن.. والظرف القائم هو ظرف مائم لعودة املطالبة بتجنيد الــشــبــاب ألســبــاب كــثــيــرة، وال أحــتــاج ألن أكــــون خبيرا عسكريا أو إستراتيجيا لكي أدلــل بــأن الـوقـت قـد حان إلدخال التجنيد كخدمة جوهرية لحماية أمن الوطن.