طرح أرامكو.. مجددا !

ليس سرا أن السعودية دولة مؤثرة جدا اقتصاديا على الساحة العاملية، فهي تنتج السلعة األكثر تأثيرا في العالم االقتصادي وهـي النفط، وهي الــدولــة األهـــم فــي هــذا الـقـطـاع وبـالـتـالـي يصبح مفهوما جدا أن النفط هـو أحــد أهــم الركائز األساسية للسياسة الخارجية والقرارات االقتصادية للسعودية. ولعل أهم امللفات االقتصادية «التاريخية» التي ستقدم عليها السعودية هو طـرح جـزء من أسهم شركة أرامكو لالكتتاب العام. وبعيدا عن الجدل العاطفي الذي انطلق منذ بدء الحديث عن هذه املسألة، فلنر املسألة من وجهة نظر سياسية اقتصادية عملية بحتة. لعل الجدل األول واألهــم كـان معنيا بتقييم الشركة، وبالتالي كـان الحديث هل يـتـم احــتــســاب الــشــركــة بشكلها الـعـمـلـي فـقـط أم يــضــاف إليها االحتياطي النفطي في األرض؟ وخرج على املأل «رقمان» كان يجري الحديث عنهما، األول تم تناوله عن طريق أحد املكاتب االستشارية الكبرى، والــذي قـال فيه إن قيمة أرامـكـو هي 400 بليون دوالر، بينما كانت األرقام الرسمية في السعودية تقول إن القيمة املتوقعة للشركة هي 2.5 تريليون دوالر مما يعني أن هناك احتسابا للقيمة الخاصة باالحتياطي النفطي املوجود في باطن األرض. ولكن ليس بسر أن سلعة النفط باتت سلعة مضطربة وأسعارها وقيمتها لم تعد خاضعة تماما ملعايير الــســوق والــعــرض والـطـلـب خـصـوصـا فــي ظــل عــوامــل متغيرة ومتطورة سواء على الصعيد العناصر الجيوسياسية أو الطاقة الـبـديـلـة، وبـالـتـالـي الـسـعـوديـة «مـطـالـبـة» أن تــكــون «ضامنا» للحد األدنى من التكلفة، وفي هذه الحالة احتسب بسعر تكلفة استخراج البرميل الواحد وهو 8.98 دوالر أمريكي، وإذا ما تم احتساب االحتياطي النفطي املعلن للسعودية وهو 256 بليون برميل مما يعني أن قيمة «تغطية» و«ضمان» االكتتاب بحسب أســلــوب التسعير االخــتــيــاري Option Pricing يـجـب أن تكون حول مبلغ الـ002 بليون دوالر أمريكي تقريبا. والــ002 بليون دوالر أمريكي هو نفس املبلغ الذي صرحت به السعودية بأنها سوف تضخها في استثمارات داخل الواليات املتحدة األمريكية (وهي متزامنة مع برنامج شراء السندات املعلن في السعودية) فيصل إلـى الرقم املعلن عنه من قبل. وهــذا الرقم سيوجه إلى استثمارات مع الواليات املتحدة األمريكية كما أعلن، ولكن في اعتقادي أنـه سيوجه وبقوة لـدى قطاعات الطاقة وخصوصا قطاع إنتاج الغاز والــذي يشهد نموا متزايدا باعتباره طاقة بــديــلــة ونـظـيـفـة وغــيــر ضــــارة لـلـبـيـئـة ولــهــا أبــعــاد اقتصادية متطورة والفتة ومهمة، مما يعني أن االستثمار في الواليات املتحدة وشركاتها في القطاع املتعلق بالغاز والطاقة سيأتي تباعا بفوائد عميقة على االقتصاد السعودي في فترة قريبة. وبالتالي وبنظرة تجارية مبسطة يمكن اعتبار الــ002 بليون دوالر الـتـي صـرحـت السعودية بضخها فـي الـسـوق األمريكي كاستثمارات بمثابة خطاب حماية لسعر سلعة النفط املخزون في األرض حتى يتم طرح األسهم بعيدا عن القلق في البورصة (على ما يبدو أن فرصة بورصة نيويورك هي األرجــح للفوز باكتتاب شركة أرامـكـو). من املهم جدا قـراءة املشهد الكلي ألي مسألة وعدم اجتثاث صورة أو جزء من املشهد لتبني رأي معني. سياسة النفط السعودية تتألق بتعاملها العاقل والسياسي في مسألة شائكة وغير مسبوقة وكبرى مثل طرح أرامكو، ولكنها تمكنت من رؤية املسألة بشكل شمولي دقيق يتحقق منه أكبر قـدر ممكن من املكاسب اآلنية واملستقبلية، وهــذا في حد ذاته مسألة مهمة تستحق لفت النظر إليها.