أمريكا.. باجتاه الفاشية واالنفصال !؟
يوم السبت قبل املاضي اندلعت في مدينة تشارلتسفل بوالية فيرجينيا أعمال شغب عنيفة، راح ضحيتها قتيل وعدد من الجرحى، في مواجهات بـني الـشـرطـة وجـمـاعـات عنصرية متطرفة بيضاء تـؤمـن بنقاء وتفوق الجنس األبيض عرقيًا.. وتحمل أعـالم االنفصاليني (الكونفيدراليني)، أثناء الحرب األهلية 1861( - .)1865 ألكثر من 150 سنة، من الحرب األهلية، تغيرت الطبيعة الديمغرافية لسكان الواليات، كما تغيرت طبيعة النظام السياسي األمـريـكـي، قيميًا ومؤسساتيًا. مـن أهــم معالم ليبرالية النظام السياسي األمـريـكـي وتركيبة املجتمع األمـريـكـي، عــدم التسامح مع النعرات العنصرية.. والتطرف الديني.. ودعاوى التفوق العرقي، ألي فئة من املجتمع األمريكي... وأصبحت دعاوى التمييز العنصري، مجرمة قانونًا، حتى على املستويات اللفظية واإليــمــاءات الحركية. لقد تـطـورت، منذ ستينيات الـقـرن املـاضـي، حزمة من القوانني الصارمة، التي التزمت مؤسسات الدولة تنفيذها وفرضها، بقوة القانون، ضد أي شكل من أشكال التمييز والتفرقة العنصرية، على أساس العرق والجنس والدين والخلفية االجتماعية والثقافية، حماية لألقليات.. وكبحًا لجماح استبداد األغلبية. إال أنه كما تابعنا، طوال األيام العشرة املاضية، هناك من ينتمون إلى الجنس األبيض ويعتنقون الديانة األنجليكانية، ويتبنون تيارات سياسية، غير ليبرالية، لها جذور فاشية ونازية.. ويطلقون على أنفسهم املحافظني الجدد أو الوطنيني الجدد، ينادون بتفوق ونقاء الجنس األبيض ويرفعون أعالم ودعاوى االنفصال الكونفيدرالية... بل حتى يـنـادوا بـعـودة الــرق والتعامل مـع األعـــراق واألجـنـاس األخــرى بـــازدراء ودونية مقززة. هؤالء القلة من الشعب األمريكي، التي ال تمثل شيئا ذا أهمية عددية أو سياسية من األغلبية البيضاء، وجـدوا في إدارة أمريكية جديدة، يعتقدون بدورهم املحوري بمجيئها للبيت األبــيــض، نصيرًا لـدعـاواهـم العنصرية.. وحــان الـوقـت لجني ثمار دعمهم السياسي لها، لتنفيذ أجندتهم السياسية لتحول أمريكا، أو على األقل العودة ملا قبل الحرب األهلية، لواليات الجنوب!؟ مما يبعث على التفاؤل، ما تؤكده حقيقة مسيرة التاريخ، بعدم العودة للوراء، كونها مسيرة تقدمية إلى األمام، لترسيخ قيم الحرية والليبرالية في املجتمعات اإلنسانية، التي تعكس الـواليـات املتحدة إحـدى أهـم إنجازاتها. الشعب األمريكي اليوم يعكس تعددية إنسانية، كانت نتاجا ملوجات كبيرة من املهاجرين، تدفقت للواليات املتحدة، من كافة بقاع األرض، طلبًا للحرية واملساواة والفرص االقتصادية الواعدة، هربًا من عقد ومشاكل واضطهاد ثقافة العالم القديم، الذي أتوا منه. لذا فإن الشعب األمريكي، في غالبيته ال يتسامح مع دعــاوى العنصرية. كما أن الساسة األمريكيني، يشعرون بحساسية شديدة من االقتراب من دعاوى العنصرية ومزاعم النقاء العرقي والتفوق العنصري، بأي شكل وتحت أي مسمى، وإن كان البعض منهم - وهم قلة - قد تكون لهم ميول أيدلوجية متطرفة، إال أنهم يشعرون بالحرج من اإلفصاح عنها، خوفًا من تبعاتها السلبية على مستقبلهم السياسي. الرئيس األمريكي دونـالـد ترمب، يعد من الساسة «الــهــواة»، الذين جــاءوا من خارج مؤسسات وقيم العمل السياسي التقليدي في واشنطن. لم يأخذ الكثيرون مضمون خطاب الرئيس ترمب االنتخابي «الشعبوي»، على محمل الجد، ثقة في متانة نظام القيم السائد ومتانة مؤسسات الحكم فـي واشـنـطـن... وكــان لهذا التقييم املـفـرط في ثقته، أن تقاعس الليبراليون عن أخذ ظاهرة املرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب محمل الجد، ولم يقبلوا على التصويت، بكثافة كافية، خاصة في الواليات املتأرجحة مثل: أوهايو وفلوريدا وميتشغان، وكـان أن جاء دونالد ترمب، إلى البيت يجر معه فريقًا من أعتى املحافظني الجدد وأشدهم تطرفًا. مــا يبعث على الـتـفـاؤل أيــضــًا، بسالمة نـظـام القيم الـلـيـبـرالـي، الــذي يحكم الواليات املـتـحـدة، أن هــذا الفريق الـرئـاسـي املـتـطـرف، الــذي جــاء مـع الرئيس تـرمـب إلــى البيت األبيض، بدأ يتداعى أوال بـأول إما نتيجة لفضائح سياسية وأخالقية طالت بعض رموزه.. أو نتيجة لصراع احتدم بني أجنحته، داخليًا.. أو بسبب عدم الخبرة السياسية في التعامل مع أجندة متطرفة في محافظتها، مع بيئة سياسية ليبرالية متمسكة بإنجازاتها الديمقراطية.. ومتشبثة بأعظم وأقوى نظام فيدرالي، عرفه التاريخ، أنتج أقوى وأعظم وأغنى وأكثر الدول تقدمًا واستقرارًا، في العالم. حركة مسيرة التاريخ ال يمكن لها أن تعود للوراء. الواليات املتحدة، واحـدة من أهم محطات مسيرة قطار حركة التاريخ، منها يواصل قطار حركة التاريخ مسيرته، لتعم الحرية والسالم مجتمعات البشر. لقد انهزمت الفاشية والنازية في معركتني فاصلتني في التاريخ، ومن املستحيل أن تعودا إلى حكم القوة، التي كان لتدخلها الحاسم، كأداة لحركة التاريخ، تحقيق النصر املؤزر على قوى التخلف والظالمية، التي كانت تحكم دول املــحــور، فـي الحربني العامليتني األولـــى والـثـانـيـة. كما أن الديمقراطية، بزعامة الــواليــات املـتـحـدة انــتــصــرت، دون قــتــال، فــي حـــرب بــــاردة، عـلـى آخــر مـعـاقـل الفاشية والشمولية في العالم (االتحاد السوفيتي). الديمقراطية لن تسقط في الواليات املتحدة، كما أن نظامها الفيدرالي لن يتفكك، بفعل مثل ما حدث في مدينة تشارلتسفل... مهما كان نفوذ وسطوة املحافظني الجدد أو ما يسمون أنفسهم بالوطنيني. مثل تلك األحداث والرموز السياسية، ما هي إال مؤشرات عنيفة فــي حـركـتـهـا.. وحـــادة فــي خطابها الـسـيـاسـي، تعكس مستويات متقدمة من االستقرار السياسي للواليات املتحدة، ضمن الخطة الشاملة (لـإرادة اإللهية) ملسيرة حركة التاريخ.