ماذا لو لم تنطلق عاصفة احلزم؟
عاش اليمنيون أياما صعبة ولحظات ترقب يائسة وهم يــرون بــأم أعينهم ميليشيات اإلجـــرام الحوثية وأنصار الــرئــيــس املــخــلــوع املــدعــومــة مــن قـبـل إيــــران تـسـقـط املدن واحــــدة تـلـو األخــــرى وصـــوال إلـــى عـــدن وبـــاب املــنــدب في ظل اختاف واضح بني موازين القوى، وكان ما بدا لهذه امليليشيات املنتشية بأنه لحظة السيطرة النهائية على األرض ما هو إال الهدوء الذي يسبق العاصفة، فانطلقت عمليات عاصفة الحزم في السادس والعشرين من شهر مـارس م2015 الخامس من جمادى اآلخـرة 6341هـــ بعد أن عزم امللك سلمان وحزم أمره وأصـدر أمره السامي في لحظة إحباط تمر بها اليمن واملنطقة، فأعاد روح األمل إلـى الناس واضعا حـدا ملشاريع طهران التوسعية التي وصلت إلى اليمن. فقد قابلت غطرسة امليليشيات إرادة ال تنقطع وعزيمة ال تـلـني لـــدى خـــادم الــحــرمــني الـشـريـفـني املــلــك سـلـمـان بن عـبـدالـعـزيـز وولـــي عــهــده األمــيــر مـحـمـد بــن ســلــمــان. وقد تجلت بوضوح هذه اإلرادة والعزيمة واإلقدام والشجاعة في موقف القيادة الحكيمة للمملكة والتصدي بكل قوة ألعداء اإلسام واملسلمني واتخاذ القرار التاريخي للدفاع عـن الشرعية الدستورية اليمنية ممثلة بفخامة رئيس الــجــمــهــوريــة الـيـمـنـيـة عــبــدربــه مــنــصــور هـــــادي، بــعــد أن طلب رسميا من قيادة اململكة العربية السعودية مساندة الشرعية الدستورية اليمنية. وبــعــد مــــرور سـنـتـني ونــيــف مـــن انـــطــاق عــاصــفــة الحزم والـعـزم، يطرح الـسـؤال نفسه: مــاذا لـو لـم تنطلق عاصفة الحزم وماذا كان ليحدث لو تأخرت، وبعد التفكير جليا ومحاولة املقاربة بني املاضي والحاضر واملستقبل، أجد إن اإلجابة بكل بساطة هي لكانت اليمن ضحية جديدة وجــرحــا عــربــيــا إســامــيــا لــن يــنــدمــل وســيــظــل يـقـطـر دما ومــرارة في أمـة أثخنتها الـجـراح وتكسرت فيها النصال عـلـى الــنــصــال، فـقـد كــانــت هـــذه الــحــرب حـــرب رفـــع الظلم والطغيان عن بلد شقيق ودرء الخطر عن بلد التوحيد. لـقـد تجلت لــدى خـــادم الـحـرمـني الـشـريـفـني الـشـجـاعـة كل الـشـجـاعـة وإقــــدام وحـكـمـة الـقـائـد وبـصـيـرتـه ليضع -في لـحـظـة خــطــيــرة- أمـــن الـيـمـن واملـمـلـكـة والـخـلـيـج فـــوق كل اعــتــبــار، فــاتــخــذ قــــرارا تــاريــخــيــا أمــــاه املــنــطــق وفرضته الــحــكــمــة، ولــقــد أظـــهـــرت هــــذه الـــحـــرب بــجــاء أن اململكة العربية السعودية هي القلب النابض للعالم اإلسامي، وهي حجر الزاوية في الدفاع عن الجزيرة العربية والعالم اإلسـامـي، ولـم يكن ليتوقف املـد الفارسي املجوسي لوال البنية األساسية العسكرية والعمق اإلستراتيجي للمملكة في خارطة الحرب في الجزيرة العربية واملنطقة العربية بصورة عامة، وانعكس هذا في انضمام العديد من الدول العربية إلى التحالف العربي والتي شاركت بقوات جوية وبــحــريــة وبــريــة ملــســانــدة الـشـرعـيـة الــدســتــوريــة اليمنية بقيادة اململكة. مـــن قــراءتــنــا لــلــتــاريــخ، نــجــد أن قـــيـــادة املــمــلــكــة العربية الــســعــوديــة دائـــمـــا تــتــحــلــى بــالــصــبــر والــحــكــمــة والحلم واألنــاة حتى فـي ظـل األحــداث الجسام وامللمات العظام، لكن قراراتها تأتي حازمة وجريئة عندما ينفد صبرها وتـــصـــل جـــهـــودهـــا الــدبــلــومــاســيــة والــســلــمــيــة إلــــى طرق مسدودة في حل األزمات مع خصومها خصوصا عندما يصبح عامل الوقت هو الفيصل في ترجيح كفة األحداث. لكن أزمــة اليمن بـالـذات فـاجـأت املنطقة والعالم بقدرات املـمـلـكـة خــاصــة ودول مجلس الــتــعــاون الخليجي عامة واستعداداتها العسكرية العالية السيما القوات الجوية بـعـد أن اكتسبت الـقـيـادة العسكرية والـسـيـاسـيـة خبرات ثمينة من حـرب الخليج الثانية لم تكتسبها غيرها من البلدان العربية. فعندما حلقت الصقور في لحظة مفاجئة للمنطقة كلها لتحقق أهم أهدافها العسكرية في ساعات قـلـيـلـة، أدرك الـجـمـيـع أن املـمـلـكـة قــد امـتـلـكـت قـــوة جوية مقاتلة وحديثة وامتلكت أسلحة ردع تجبر خصومها على التفكير ألف مرة قبل االعتداء أو حتى التهديد. السؤال املطروح سلفا في هذا املقال وهو ماذا لو لم تنطلق عاصفة الحزم، يجعلنا ندرك حتمية وضـرورة انطاقها وفـي نفس تلك اللحظة التي انطلقت فيها، وهـو ما ينم عن أن اململكة تتمتع اليوم بقدرات سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة بـا شـك، ولكن األهــم مـن ذلـك مـا تتمتع بــه املـمـلـكـة مــن رجــــال دولــــة وعــقــول سـيـاسـيـة وعسكرية وفكرية عماقة، وهي الثروة الحقيقية للدولة في منطقة ملتهبة ومضطربة جــدا ملـا تتمتع بـه هــذه الـكـفـاءات من خــبــرات ورؤيــــة إسـتـراتـيـجـيـة فــي إدارة مختلف امللفات الـسـيـاسـيـة واالقــتــصــاديــة والـعـسـكـريـة، والـتـعـاطـي معها بحنكة والتخطيط اإلستراتيجي على مستوى عــال من الدقة والنجاح وهـو ما لم يكن يدركه الكثير من الناس قبل اليوم وحان الوقت إلدراكه واستيعابه جيدا من قبل دعاة الفوضى في املنطقة. فكانت اململكة بثقلها السياسي واالقـــتـــصـــادي صـــمـــام أمـــــان لـلـمـنـطـقـة ودعـــــم الــســلــم في الجزيرة العربية واملنطقة ككل.