Okaz

ما بعد مهرجان املؤمتر الشعبي

- مصطفى النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@ gmail.com

شـهـدت صنعاء تـوتـرا إعـالمـيـا وتـراشـقـا شـديـدا بـني أطـــراف األمــر الــواقــع فيها، كان األعنف واألكثر قلقا منذ مـارس 2015 بني جماعة أنصار الله - الحوثيني وأنـصـار الرئيس السابق علي عبدالله صالح (املنضوين تحت مظلة املؤتمر الشعبي العام) على خلفية مهرجان جماهيري كان اإلعداد يجري له منذ أشهر احتفاال بتأسيس املؤتمر الشعبي العام 24( أغسطس ،)1982 وانقسم اليمنيون حياله بني من توهم أنه فراق بني الطرفني وآخر تصوره إضعافا للصورة املتضخمة للجماعة وثالث غير مهتم بنتائجه وتمنى انفجارا يجعل الطرفني يتقاتالن ورابــع تــراءى له أنه انتقام من صالح، ومن املثير للدهشة أن اختالف األمنيات لم يعتمد معطيات الـواقـع بل اعتمد على املوقع الجغرافي الــذي يكتب منه مرتادو صفحات التواصل االجتماعي وهم ينعمون باألمن والبعد عن املتاعب، أو تأثرا بالخلفية السياسية التي يأتي منها الكاتب. تـعـرف أي عملية سياسية ذكـيـة مــداخــل كـثـيـرة للتعامل مــع الــواقــع واالســتــ­فــادة الـقـصـوى من محركاته على األرض، وقد يضطر فريق ما أن يدخل في تحالفات تمليها الظروف وربما أيضا تتقاطع مصالح األطراف دون ترتيبات مسبقة وتفاهمات راسخة، ولعل االقتحامني اللذين قامت بهما امليليشيات الحوثية ملدينة عـمـران ثـم صنعاء يـبـرزان كيف تقاطعت مصلحة الرئيسني الحالي والسابق وكذا (الجماعة) في لحظة واحدة للتخلص من خصومهم ومنافسيهم، وتسابقا للتعامل معها والسعي لكسب ودهــا، فـي حـني كانت الـقـوة املسلحة الشابة هـي الوحيدة التي تمتلك مشروعا أيديولوجيا وإن كـان من مخلفات املـاضـي، وليس هنا مجال تناوله والجدل حوله، وأعيد التذكير أن الشباب الذين اندفعوا إلى الساحات كانوا يبحثون عن إحداث تغيير مستحق في توقيته وحقوق متأخرة واجبة التطبيق، إال أنهم كانوا بال مشروع فكري وسياسي وبدون قيادة واعية باملخاطر فانقادوا بحسن نية خلف قيادات أحزاب متمرسة في االنتهازية وكان أغلب قادتها مرتبطني بنظام الرئيس صالح وإن بدرجات متفاوتة، وكانت جماعة اإلخوان املسلمني (حزب اإلصالح) والحوثيني (أنصار الله) األكثر سيطرة على موجهات ساحة التغيير التي صارت مالذا لتصفية اآلثام كما يفعل الهندوس في نهر الغانغس املقدس عندهم، وتوارى الـشـبـاب عـن املشهد وتــم اخـتـيـار نـفـر قليل مـن املنتمني لــأحــزاب كممثلني لهم فـي الحكومات املتعاقبة بعد استقالة صالح في فبراير .2012 واحدة من مآسي الفترة االنتقالية التي بدأت في فبراير 2012 بعد االستفتاء، هي أنها تحولت إلى سباق حول التوظيف بمعايير حزبية دون النظر إلى الكفاء ات، وتم استبعاد املستقلني من الشباب وغيرهم، ثم بدأت مالمح إعادة إنتاج أسلوب الحكم السابق فسادا وتوظيفا مناطقيا وابتعادا عن الكفاء ة، وهذا أمر طبيعي ألن الذين أداروا الفترة التي تلت ابتعاده املؤقت عن املشهد هم صنيعته وكانوا األقرب إليه تفكيرا ومحاكاة، ولكن قدراتهم السياسية والشخصية كانت بائسة. ال يختلف كثيرون فـي منطق أن حكم صالح الطويل جعله محور ومـحـرك الحياة السياسية، وتمكن بخبث مـن جعل الساحة خالية مـن الـقـيـادا­ت الخالقة داخــل حـزبـه، رغــم أنــه كــان يزخر بشخصيات تمتلك إرثا تاريخيا ولكن قلة منهم كانوا رجال دولة، إذ انحصرت أدوار قياداته في تبرير كل ما كان يفعله وصاروا موظفني بال قناعات وال طموح، ومن املالحظ أن األمر انسحب إلى األحـزاب التي كانت تدعي معارضته، فأغلبها لم يجدد قياداته إال الحزب االشتراكي الذي عمل تغييرا في مكتبه السياسي ولكن أفـكـاره وموجهاته مـازالـت تعيش في سبات عميق عن متغيرات العصر. اتهام صالح بأنه أحدث حالة عقم سياسي صحيح، والخروج منها يستوجب بداية البحث عن البدائل وإحداث نقاش جاد حولها حتى ال يتكرر القفز إلى املجهول، بدال من االنشغال بالتخلص منه، الـذي استنزف ست سنوات صار خاللها العمل السياسي املنظم وهمًا، ألن الداخل يعيش تحت حصار فكري وأمني تحت شعار حقبة عبدالناصر (ال صوت يعلو فوق صوت املعركة)، وأضحى شعار جماعة الحوثيني لترهيب معارضيهم ومنتقديهم، ومـن املهم أن ينظم الذين يعيشون في الخارج صفهم بعيدا عن فكرة إعادة تدوير النفايات التي يسعى البعض للترويج لها طمعا في موقع أو زيادة نصيب. إن استهالك الجهد والوقت في تكرار الحديث عن املاضي وإضاعة الزمن في تناول مسؤوليته ال يمكن أن يحدث التغيير املنشود وسيكون من األفضل البحث الجاد في املمكن حاليا، ولكن مع تبيان ما هو املستقبل املنشود، شكله وأدواتـه، بعيدا عن فكرة االنتقام التي تسيطر على كل ما يكتب ويفعل ويقال..

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia