«فأبى إال أن يكون لله»
يروى أنه كان في أحد الجوامع عالم يجمع بن العلم والثراء وكان لـه درس مسائي فـي الجامع، وكــان مـن عـادتـه تقديم مكافأة من جيبه الخاص للنابهن من طالبه وتوزيع صدقات على عامتهم بن حن وآخـر، فكان بعضهم يحضر مجلسه العلمي طمعًا في املكافأة أو الصدقة، وقـال أحدهم عن نفسه وقد حضر «الدرس» لحاجته وفـقـره ويتمه: أردنــا أن يكون العلم لغير الله فأبى إال أن يكون لله، ألن ذلك الطالب الفقير اليتيم ما لبث أن تعلق قلبه بالعلم فأصبح أبــرز طـالب «الـــدرس»، ونسي فـي غمرة اهتمامه باالستماع والتسجيل واملذاكرة والتدبر والحفظ ما جاء يطلبه مـن مــال الـزكـاة أو الصدقة أو مكافأة التفوق فقال عبارته التي ذهبت مثال، السيما أنه حل بعد ذلك محل أستاذه العالم في درسه اليومي، بل وأصبح أعلى كعبًا منه في العلم وإن لم يكن مثله في النفقة على طالبه لضيق ذات اليد. تـذكـرت هــذه الحكاية وأنــا أقــرأ فـي موسم الحج عـن أبـيـات شعر خالدة، نظمها قبل ما يزيد على ألف عام الشاعر العباسي الشهير «الحسن بـن هـانـي» أبــو نـــواس.. ومــا أدراك مـا أبــو نـــواس؟، فهذا الشاعر وقـع في شـراك حب امــرأة فاتنة اسمها «جنان» فعلم من الــحــي أنــهــا عــزمــت عـلـى أداء مـنـاسـك الــحــج فــقــرر أن يتبعها في رحلتها، دون أن تكون لديه نية ألداء النسك وإنما ليمأل عينيه من جمالها املوفور وهي تؤدي املناسك، فلما وصل إلى املشاعر املقدسة غمره شعور قـوي خــارق بعد سماعه التلبية تضج بها عـرصـات عـرفـات ومزدلفة والتكبيرات تـتـردد فـي جبال ووديان وســهــول أم الــقــرى فـاضـطـرب قلبه وانـهـمـرت الــدمــوع مــن عينيه ونسي ما جـاء من أجله وتوجه إلـى خالقه الكريم الرحيم بهذه األبيات: إلهناماأعدلك مليككلمنملك لبيك،قدلبيتلك، لبيكإنالحمدلك ماخابعبدأملك لوالكياربهلك لبيكإنالحمدلك وامللكالشريكلك ثم يوجه أبو نواس النصيحة لنفسه ولغيره باملبادرة إلى التوبة والفواق من الغفلة فيقول:
يامخطئًاماأغفلك اعملوبادرأجلك واختمبخيرعملك لبيكإنالحمدلك نـسـأل الـلـه لضيوف الـرحـمـن حجًا مــبــرورًا وعـمـال مـقـبـوال وعودة ميمونة إلــى ديــارهــم سـاملـن غانمن وأن يختم للجميع بالعفو والغفران إنه سميع مجيب.