دموع التائبني تختلط بنسائم الرحمات على جبل عرفات
قبل ساعات قليلة من خير يوم طلعت عليه الشمس، اتجه ضيوف الرحمن الـيـوم مـن شتى بقاع األرض إلــى مشعر اليوم الواحد، ألداء ركن الحج األعظم، كما قال محمد بن عبدالله صلوات الله وسالمه عليه «الحج عرفة». يرتدون لـبـاسـا واحــــدا، فــي مـكـان واحـــد يتنسمون الـرحـمـات على صعيد جبل عرفات، بأياد تمتد إلى السماء، وقلوب تتذلل طلبا للمغفرة، وأعــني تبكي نــادمــة، وألـســن تلهج بأحب الــدعــوات إلــى الله صـادحـة أصـواتـهـم: «لبيك اللهم لبيك. لبيك ال شـريـك لــك لـبـيـك. إن الـحـمـد والـنـعـمـة لــك واملــلــك ال شريك لك». هنا فـي هــذا املـكـان الـطـاهـر وعـلـى بعد 22 كيلومترا من مــهــوى األفــئــدة مـكـة املــكــرمــة أطــهــر بــقــاع األرض، تشرأب الــنــفــوس، وتـتـطـلـع األرواح قــبــل األجـــســـاد، لــبــذل الغالي والنفيس، لنيل سبيل حضور هذا الجمع العظيم، في هذا اليوم املبارك، وقفة عرفات. وقد اختلفت تفاسير العلماء فــي تسمية «عــرفــة» بــهــذا االســــم، إذ قـيـل يـتـعـارفـون فيه، وألن جبريل عليه السالم حني طاف بإبراهيم عليه السالم ليريه املشاهد فيقول له: «أعرفت؟ أعرفت؟»، فيرد إبراهيم: «عرفت، عرفت»، وقيل أيضا إنه سمي عرفة ألن آدم وحواء «عندما هبطا من الجنة» التقيا عليه فعرفها وعرفته، كما قيل إنه سمي بذلك ألن املسلمني يعترفون بذنوبهم عنده، فيما ذهب البعض إلى أنه سمي بالصبر على ما يكابدون في الوصول إليه، ألن العرف في اللغة الصبر. ومن أبرز أماكن مشعر عرفة، (نمرة)، وهو جبل خطب به النبي يوم عرفة بعد زوال الشمس، وصلى الظهر والعصر قصرا وجمعا (جمع تقديم)، وبعد غـروب الشمس تحرك منها إلــى مــزدلــفــة. ويــحــد عــرفــة مــن نـاحـيـة الــحــرم نمرة، وثـويـة، وذي املـجـاز، واألراك، أمـا الـحـدود الثالثة األخرى لعرفة فهي سلسلة ِمـن جباٍل ســوداء، أبــرزهــا أم الرضوم، وقد وضع لعرفة علمان يرمزان إلى بدايتها، وآخران إلى نهايتها، توضيحا لحدوده. وبني األعالم يقع بطن عرنة، وقال رسول الله: «عرفة كلها موقف، إال بطن عرنة». وفي ًَ َْ ََ َْ ُْ َُ َْ
ُِ َِْ هــذ املــوقــف نــزل على الــرســول ﴿الـــيـــوم أكــمــلــت لــكــم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دينا﴾.