Okaz

تعريف «اإلرهاب» أيها العالم..!

-

مـــن األمـــــو­ر املــضــحـ­ـكــة – املبكية التي تالحظ على الساحة الدولية الــراهــن­ــة، مــشــاركـ­ـة إرهــابــي­ــن في حـمـالت ومـؤتـمـرا­ت ضـد اإلرهــــا­ب، كــأن تشارك إســرائــي­ــل، أكــثــر دول الــعــالـ­ـم مــمــارسـ­ـة إلرهاب الدولة، في مسيرات ومؤتمرات تحارب اإلرهاب، وتــعــتــ­بــر مــشــاركـ­ـتــهــا دلـــيـــا­ل عــلــى محاربتها لإلرهاب، وشجبها لهذه الظاهرة البشعة..؟! أو أن يمارس طرف دولي اإلرهاب، بشتى صنوفه وأنواعه، ثم يحسب من «الخيرين» الذين يقفون باملرصاد ضد اإلرهــاب ؟! وقـس على ذلــك. لقد أصبح توجيه وصم اإلرهابي ألي طرف دولي، أو غير دولــي، بمثابة تهمة جـاهـزة، ليس من الضروري أن توجه للمذنب حقا، وإنما توجه ألي طرف تختلف معه القوى الدولية الباغية، وأحيانا يستخدم «اإلرهاب» كـ«فزاعة» لتبرير ما ال يبرر. يــتــجــا­هــل الـــغـــر­ب املــتــنـ­ـفــذ الـــســـل­ـــوك اإلرهابي الصهيوني الصارخ، املعادي ليس للعرب فقط، بــل لـكـل اإلنــســا­نــيــة ؟! إنـــه الــنــفــ­وذ الصهيوني املــتــحـ­ـكــم فـــي أغــلــب مــفــاصــ­ل الـــقـــر­ار السياسي فـــي دول الـــغـــر­ب املــتــنـ­ـفــذ هــــذا، أضـــف إلـــى ذلك «اســـتـــع­ـــداد» ذلـــك الــغــرب (الــتــلــ­قــائــي، ونتيجة أحـــقـــا­د وقــنــاعـ­ـات وأهــــــد­اف مــعــروفـ­ـة) التخاذ أي إجــــراء يــضــر بــالــعــ­رب، ويــضــعــ­ف موقفهم، وال يـقـتـصـر نــفــاق هـــذا الــغــرب املــكــشـ­ـوف على التغاضي عن إرهاب إسرائيل، بل يمتد ليشمل تغاضيه عن إرهاب بعض حلفائه ومناصريه البن، بل واتهام مناوئيه زورا باإلرهاب، إن لم يستجيبوا ملطالبه الظالم أكثرها. إن «الـــطـــر­ف» الــــذي يــقــوم بـــاإلرهـ­ــاب يـمـكـن أن يكون: فردا، جماعة، تنظيم، دولة... إلخ. فهناك مـــا يــســمــى بـــــ«إرهــــاب الــــدولـ­ـــة» ( ‪-State Terr‬ )ris غالبا ما يكون هو اإلرهاب األسوأ واألكثر تـمـكـنـا. ولــعــل أوضـــح األمـثـلـة عـلـى هــذا النوع من اإلرهــاب هو: ممارسات الكيان الصهيوني (إســـرائــ­ـيـــل) الــــذي يــقــوم بـــإرهـــ­اب الـــدولــ­ـة (ضد الـشـعـب الفلسطيني) عـلـى مـــدار الــســاعـ­ـة. ومن ذلــك أيــضــا: مـمـارسـة الـنـظـام القمعي السوري ضد شعبه، وقد ينتج عن أي إرهاب ردود فعل عنيفة، تعتبر – من قبل البعض – إرهابا...؟! **** وعلى أي حال، فإن هذا الواقع املؤلم واملخجل يــجــب أن يــدفــع الـــقـــو­ى الــنــزيـ­ـهــة فـــي املجتمع الــــدولـ­ـــي (إن كــــان األخـــيــ­ـر جــــــادا فـــي محاربة اإلرهـــاب الحقيقي) للمسارعة بـوضـع تعريف عـــاملـــ­ي مـــوحـــد مــتــفــق عــلــيــه عـــاملـــ­يـــا، لظاهرة اإلرهـاب، وبحيث يشمل كل أنـواع اإلرهـاب، أيا كان مصدره، حتى وإن كانت حكومة تل أبيب، ثــم يـحـاكـم الــنــاس عـلـى أســاســه، ويـــوزن الفعل بميزانه. من يصدق أن العالم ما زال يفتقر إلى تعريف عاملي موحد لإلرهاب ؟! هناك تعريفات إقليمية ومحلية لـإلرهـاب في كل دول ومناطق العالم املختلفة، ولكن، ما زال العالم فـي انتظار وضــع «تـعـريـف» عـاملـي عام ومـوضـوعـي لــــ«اإلرهـــاب» مجمع عليه دوليا، ثــم ســن الــقــوان­ــن املــنــاس­ــبــة ملـعـاقـبـ­ة مرتكبيه، عبر آليات محكمة، يضمن األخــذ بها تحقيق العدالة واإلنــصــ­اف لجميع املعنين. إن غياب هــذا التعريف يعيق معظم املــحــاو­الت الجادة ملحاربة اإلرهــاب الحقيقي. وكـان من املؤمل أن تأخذ اللجنة القانونية التابعة لألمم املتحدة، والــــتــ­ــي كـــلـــفـ­ــت، مـــنـــذ ســــنــــ­وات عــــــدة، بصياغة معاهدة دولـيـة جـديـدة ملكافحة اإلرهـــاب، ذلك بعن االعتبار، وال تخضـع للتدخالت املغرضة، حتى تثمر أعمالها عـن اتفاقية دولـيـة نزيهة ملـــكـافـ­حـة اإلرهـــــ­اب الـحـقـيـق­ـي، بـشـتـى الوسائل املمـكنة، ومنهـا: دعـــم املـقـاومـ­ــة ضـد اإلرهـاب، ولــكــن ال يــبــدو أن هــذه الـلـجـنـة سـتـتـوصـل إلى تـعـريـف مــوحــد وحــاســم لـــــ«اإلرهــــا­ب»، إلصرار البعض على ارتــكــاب مظالم ضـد هــذه الجهة، أو تلك، تحت مظلة مكافحة اإلرهاب الغامضة الواسعة. **** إن «اإلرهاب»، بمعناه الشامل، متعدد الجوانب، فهناك إرهاب سياسي وآخر اقتصادي، وهناك إرهــــــا­ب ثــقــافــ­ي واجـــتـــ­مـــاعـــي، وآخـــــر أمـــنـــي، أو مزيج من هـذا وذاك، ويمكن تعريف «اإلرهاب الــســيــ­اســي»، بــأنــه: مــحــاولـ­ـة فـــرد أو جـمـاعـة أو دولة ما تحقيق بعض األهداف السياسية، عبر استخدام العنف وتخويف (ترهيب) صانعي القرار واملعنين، والضغط عليهم، وذلـك بقتل أو جرح وإعاقة بعض الناس (ولو كانوا أبرياء، ال دخل لهم في القضية املراد خدمتها) وخرق حقوقهم اإلنسانية األساسية وتدمير منشآتهم، أو بوسائل غير مشروعة أخرى. وبــهــذا يصبح «اإلرهـــــ­اب االقــتــص­ــادي» (مثال) هـو: محاولة فـرد أو جماعة مـا تحقيق بعض األهـــــد­اف االقــتــص­ــاديــة، عــبــر اســتــخــ­دام العنف وتخويف (ترهيب) صانعي القرار واملعنين، والـــضـــ­غـــط عــلــيــه­ــم، بــمــخــت­ــلــف الـــوســـ­ائـــل غير املشروعة، و«اإلرهــاب الثقافي والفكري» (مثل آخـــر) هــو: مـحـاولـة فــرد أو جـمـاعـة مــا تحقيق بعض األهــداف الثقافية والفكرية، عبر العنف وتخويف (ترهيب) املثقفن واملفكرين املعنين، والـــضـــ­غـــط عــلــيــه­ــم، بــمــخــت­ــلــف الـــوســـ­ائـــل غير املشروعة. أي أن «قــتــل أو جــــرح بــعــض الـــنـــا­س وتدمير منشآتهم» ليس «الوسيلة» الوحيدة في اإلرهاب بأنواعه: االقتصادي واالجتماعي والسياسي والثقافي والفكري... إلخ، فهناك وسائل ضاغطة أخــرى وإن كـانـت كلها تتمحور حــول اإلكراه، عــبــر: الـتـخـويـ­ف واإليـــــ­ـذاء والــعــنـ­ـف والتدمير، واإلكــراه غير املشروع، إذن هو «إرهــاب»، سواء كان هدفه سياسيًا أو اجتماعيًا أو فكريًا... إلخ، وخـطورة ما ينتج عنه فادحة في كل الـمجاالت، وبالتالي فـإن مقاومة «اإلرهـــاب» بأنواعه هي أمر واجب ومطلوب، وبالتساوي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia