Okaz

ليت البالد لها قلوب

-

صباح مبارك وكل عام وأنتم في خير. تعود إليكم أفياء هذا الصباح محملة بالشوق، فهي مهما نأت وطـال بها الغياب، تظل حبالها معلقة بالوطن وأهله. أتـذكـر بيتا لحافظ إبراهيم يخاطب فيه منزال قديما سكنه في مطلع شبابه: (كم مر بي فيك عيش لست أذكره،، ومر بي فيك عيش لست أنساه). شعرت أن هذا البيت يمثلني في حالي مع الوطن عند الغياب عنه، فحن تغترب عن الوطن، تبزغ ذكرياتك فيه إلى السطح، منها ما يستحق أن يذكر، ومنها ما ال يستحق، تذكر أيام السعادة وأيام املرارة، وأيام الجمال وأيام القبح، وتظل ذكرى تلك األيام، بما كان فيها تروي أغصان الشوق والحنن. يزعم جون كيتس، الشاعر الرومانسي البريطاني أن (ال سعادة في الوطن)، ربما على غرار قول (ال يصدق نبي في قومه) و(العود في أرضه نوع من الحطب) أو غيرها من األقوال التي تنفي وجود التقدير لإلنسان في املكان الذي ينتمي إليه، ومن ثم يغيب الشعور بالسعادة، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فحن تفارق وطنك وأهلك وأصدقاء ك فإنك تفتقد سعادتك معهم وبهم. شتان بن قول كيتس وقول حافظ إبراهيم السابق، فبيت حافظ إبراهيم حن تسمعه تحسه يامس نفسك ملا هو عليه من الصدق، فالشاعر لــم يـتـجـاوز الــواقــع فــي وصــف حياته الـتـي عاشها في البيت القديم، فهو يقر أنه عاش فيه من األيام حلوا ومرا ومحايدا ال حـــاوة وال مــــرارة، وأن أيــامــه فيه كـانـت أيــامــا بعضها عادية ال تستحق أن يـتـذكـرهـ­ا، وبـعـضـهـا غـيـر عــاديــة بـمـا ال يمكن له نسيانها. وهــذه طبيعة حياة كل الـنـاس، ســواء كانت مختزلة في بيت، أو مدينة، أو وطن، هم يعيشون حياة فيها ما ال يستحق أن يتذكر، وفيها ما ال يسعهم نسيانه. لكن، يبقى السؤال املضطرب، هل الوطن يفتقدك حن تفارقه؟ هل يشتاق لعودتك كما تشتاق أنت لترابه ؟ يبدو أن أحمد شوقي طاف بذهنه ما طاف بذهني، فأخذ يعاتب الــبــلــ­دان ألنــهــا ال تــحــزن لــفــراق سـكـانـهـا وال تــشــتــا­ق لــعــودة من يغادرها: (أال ليت الباد لها قلوب،، كما للناس، تنفطر إلتياعا). إال أن الـبـاد جماد ليس لها مـا للبشر مـن الـعـواطـف، لــذا هـي ال تكترث بغياب وجوه كانت تضيء سماء ها، وال بنأي أحبة تتفطر قلوبهم شوقا إليها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia