Okaz

مستشرقون يتناولون «الفريضة» بإثراء.. و«هوفمان» يحيلها لتفاصيل دقيقة

- أروى المهنا (الرياض) ،@arwa_almohanna علي فايع (أبها) @alma3e

يـعـود اهـتـمـام املستشرقني بفريضة الـحـج إلــى الـقـرن الـ02 املـيـالدي، كونها التظاهرة األكبر في العالم بني الديانات، والفريضة التي تجمع املسلمني حول بقعة واحدة. ومــــــن هـــــــؤا­لء املـــســـ­تـــشـــرق الـــهـــو­لـــنـــدي «كـــريـــس­ـــتـــيــ­ـان سنوك هرخرونيه» الذي كتب عن الحج عام ،1884 حينما قطن جدة لسبعة أشهر لتعلم اللغة العربية، وقرر إعالن إسالمه ظاهريا ليستطيع دخـول مكة، ثم التقى بقاضي منطقة جدة الشيخ إسماعيل أغا وأخبره برغبته في اعتناق اإلســالم، طمعا أن ينال رضاه، ولم يمض وقت طويل حتى دخل مكة ومكث بها خمسة أشهر، مدعيا دراســة اإلســالم واللغة العربية، ودرس عـلـى أيـــدي عـلـمـاء مــكــة، وألـــف بـعـدهـا كـتـابـه «صــفــحــا­ت من تاريخ مكة»، ولم يمض وقت طويل حتى كشف أمره. وقـــال متحدثا عــن تـلـك الـتـجـربـ­ة: «أقــمــت عــالقــات ومعارف مع علية القوم من أفــراد املجتمع املكي، وسمعت بأذني ما يتعلمه سكان املدينة العاملية (مكة)، وما يعلمونه لطالبهم، وعرفت كيف يتحدثون في أمور السياسة والفكر والثقافة، ودرســــت أصـــول الـعـقـيـد­ة اإلســالمـ­ـيــة فــي املـسـجـد والديوان واملقهى، ومن واقع الحياة اليومية». أما املستشرق الروسي عبدالعزيز دولتشني، فكان في رحلة سرية إلـى مكة رصـد فيها أهـم املشاهد، وسجل انطباعاته حول هذه التظاهرة املهمة للمسلم. فيما قصد مكة املستشرق اإلنجليزي «جـوزيـف بتس» في رحلته للحجاز، ليسجل أهم اللحظات التي يفعلها الحاج، ولقب جوزيف بتس بـ«الحاج يوسف». وتأثر البروفيسور األمريكي «جيفري النج» بفريضة الحج تأثرا بالغا، وشرح في كتابته كيف أن العالم يجتمع في مكان بتعدد ثقافاته ومختلف لغاته. ويأتي املستشرق الفرنسي «هنري ماسيه» ليهتم بفريضة الــحــج اهـتـمـامـ­ا كـبـيـرا، وأفـــرد لـهـا قسما كـبـيـرا فــي أبحاثه، مــوضــحــ­ا فــي إحـــداهــ­ـا أن الــحــج «يــكــمــن فــي ثــالثــة عناصر؛ الـــحـــص­ـــول عــلــى املـــغـــ­فـــرة والـــرحــ­ـمـــة، والــعــنـ­ـصــر السياسي التقليدي كون الحج جمعية كاملة للمؤمنني، والثالث عنصر (االثنوغراف­يا) املتعلق بالطقوس التي يمارسها الحجاج».

رحلة هوفمان ملكة

في كتابه «رحلة إلى مكة» يستعيد «مراد هوفمان» الرحلة املغربية إلــى األمــاكــ­ن املـقـدسـة بالحجاز ليذكر أنـهـا كانت تستغرق فـي األزمـنـة السالفة حــوال كـامـال، ناهيك عـن أنها كانت تعني للكثيرين رحلة بال عودة. ويحيل في رحلته تلك إلـى تفاصيل دقيقة تبدأ من الطائرة بقوله: «وبـدال من املوسيقى املخدرة التي اعتدنا أن نسمعها عند إقالع الطائرات تنبعث من أجهزة االستماع بالطائرة آيات من القرآن الكريم، إلى رحلة الطائرة التي تقترب من نهايتها ويعلن قائدها قبل هبوطها بنصف ساعة أننا سنطير فوق منطقة الحرم حول مكة؛ وهي منطقة ال يدخلها الحاج حتى وإن كان محلقا في الفضاء إال بمالبس اإلحرام». هكذا يدخل هوفمان في التفاصيل الدقيقة لوصول الطائرة، إذ يـعـد اإلعــــال­ن بـمـنـزلـة تنبيه لـكـل مــن عـقـد الــعــزم والنية على أداء فريضة الحج وبــدء مناسكه، لكي يرتدي مالبس اإلحرام. ولـــم تـلـبـث مــقــاعــ­د الـــركـــ­اب أن أشـــرقـــ­ت فـــي الـــحـــا­ل وتألألت ببياض مبهر إلى احتياجات الحاج التي يقول عنها: «كان كل ما يحتاج إليه الحاج في حقيبتي، وقد حصلت عليه من سوق سالي مدينة القراصنة القديمة، ذلك السوق الذي يرجع تـاريـخـه إلــى الـعـصـور الــوســطـ­ـى، وكــل مـتـاع الــحــاج قطعتا قماش، وحافظة غير مخيطة لحمل القرآن الكريم، وبعض من املاء، ومظلة بيضاء للوقاية من أشعة الشمس (شمسية)، وحزام عريض من الجلد غير مخيط وإنما مبرشم لتثبيت املنشفة وبه الجيوب الثالثة املعتادة التي يستخدم أحدها لحفظ جـواز السفر والثاني لحفظ تذكرة الطائرة والثالث لحفظ بعض األدوية». وعن اإلقامة في الفندق والرحلة يكتب «هوفمان» في الفندق الــذي نــزل بــه: «كنت أقيم تحت رعـايـة إدارة املـراسـم امللكية التقيت مسلمني من أنحاء العالم كافة، من جـزر القمر إلى واشنطن العاصمة وكانت أحاديثنا تدور حول شيء واحد هـو اإلســـالم، وبفضل املناقشات الفكرية التي جــرت بيننا، بدت لي رحلة الحج وكأنها جامعة متنقلة». وعن العجائب واآليات في الحج يقول: «على الرغم من هذا الــزحــام الــشــديـ­ـد، كـانـت هـنـاك عـجـائـب وآيـــات مــن التسامح والرحمة. فلقد مررت بحاج سعيد يطوف حول الكعبة على عكازين، يمنعه كبرياؤه وربما يمنعه فقره من أن يحمله أحـد أو يدفعه أحـد على كرسي متحرك، ويحيطه الحجاج بالعناية والحذر حتى ال يقع». ويـضـيـف «فـالـحـج لـيـس فـريـضـة فـحـسـب، بــل هــو حـلـم لكل مــســلــم، والــــعــ­ــودة مــنــه هـــي مــفــخــر­تــه. فــهــو يــســتــط­ــيــع عند الــعــودة أن يجد منزله وقــد طلي بـلـون أخــضــر، ناهيك عن أنــه سيحظى بمكانة رفيعة جــدا. فـال لقب دكـتـور، وال لقب الحاصل على املاجستير، وال لقب «سـعـادة» وال حتى لقب «أستاذ» تضاهي لقب «حاج» الذي يخاطب به».

 ??  ?? لقطة تاريخية لحجاج كما وصفهم المؤرخون والمستشرقو­ن. (عكاظ)
لقطة تاريخية لحجاج كما وصفهم المؤرخون والمستشرقو­ن. (عكاظ)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia