مرحلة التخلص من آثار الفوضى

منذ انطاق عمليتي عاصفة الحزم وإعــادة األمــل واملنطقة على موعد مع مرحلة جديدة؛ إنها مرحلة التخلص من آثار الربيع الذي شرد وقتل ما يساوي في العدد واملأساة ضحايا الكوارث والحروب الكبرى. انتصر االستقرار على الفوضى وبـدأت املنطقة عملية تنظيف كبرى تستهدف ليس التخلص من عوارض تلك املرحلة املظلمة (تبدو مبهجة وشاعرية للكثيرين ممن تروق لهم أغاني النضال والفداء وبقايا الثورجيني) بل والتخلص من العوامل التي ساعدت على حـدوث كل تلك الـكـوارث، خاصة أن في بقائها على ما هي عليه فرصة كبرى للبحث عن دور جديد ومن خال سيناريوهات جديدة. كانت تلك الفوضى بحاجة إلـى رافعة معنوية تغطي مختلف األبـعـاد والقيم املـؤثـرة في الثقافة العربية املتدينة وتمنحها شرعية ورسوخا وتكون ذات تنظيم قائم يسمح لها بالتمدد، ولم يكن هناك أفضل من التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني عبر مختلف نسخه وأذرعته املوزعة في املنطقة العربية. االحتياج اآلخـر الـذي كـان (الربيع) بحاجة ماسة إليه يتمثل في وجـود دولـة ذات كيان قـادر على الفاعلية والتأثير ولديه من الثراء ما يكفي لتغطية كل االحتياجات التي يستلزمها توسيع مشروع الفوضى، ولم يكن هناك أنسب من النظام القطري. استثمر كل منهما اآلخر ووجدت نظرية أوباما وفريقه في هذين العاملني أبرز األدوات التي تحتاجها وأصبحت مستعدة للغاية لدعم املشروع، وبدأت تلك اإلدارة استخدام لغة جديدة ومنطق جديد في وجوه الحلفاء التقليديني لواشنطن، وباتت املنطقة بأكملها موشكة على انفجار عام. كان لديهم توقيتهم ولدينا توقيتنا أيضا؛ أوشكت والية أوباما وفريقه على االنتهاء وبدأوا في التحرك سريعا لتحقيق ما يمكن تحقيقه إال أن أزيز املقاتات السعودية واإلماراتية في سماء صنعاء وصعدة خالف التوقعات بالكامل. لم ننتظر وبدأنا في رسم مامح عاقة جديدة مع اإلدارة األمريكية القادمة، رسمناها ونحن نهيمن على أبرز امللفات في املنطقة، رسمناها ومصر مستقرة واليمن تحت سيطرة التحالف والتدخات في املنطقة تمت محاصرتها. كانت زيـارة ترمب للرياض زيـارة للكيان األقـوى في الظرف األصعب وفي وقت كانت فيه واشنطن تـوشـك على خـسـارة أضـخـم وأهــم تحالفاتها فـي املنطقة، كـل األطـــراف كـانـت بحاجة لـذلـك الحدث السياسي الذي توجته الرياض بعقد القمة العربية األمريكية. كان حصار الفوضى يقتضي التخلص من كل عواملها ومسبباتها؛ بـدأت دول املنطقة في حصار تنظيم اإلخوان املسلمني والذي استحق واقعا كل ما يتعرض له من تجريم وإدانة في مختلف بلدان املنطقة، بعد أن أثبت أنه ليس مجرد تيار سياسي مدني، وبدأت محاصرة كل الخايا التابعة إليران في املنطقة والتي أثبتت أيضا أنها لم تكن فعاليات سياسية بل ميليشيات إرهابية حركية. لكن ماذا عن النظام القطري الذي مثل الرافعة السياسية واملالية التمويلية ألخطر مشاريع الفوضى في املنطقة؟ الواقع أن ال شيء أفضل مما تم القيام من قبل الدول األربع حني أعلنت املقاطعة الصارمة تجاه النظام وحرصت في الوقت ذاته على اإلعـاء من شأن املواطن القطري شقيقا وأخا وضحية لكل ما حدث، كانت املقاطعة قرارا صارما لم يكن أمام عواصم العالم إال أن تتفهم أنه حتمي وضروري ومحوري، وباء ت كل محاوالت النظام القطري بالفشل في أن يجد تعاطفا معه أو أحدا يحمل صوته عدا شركات اإلعانات املدفوعة على سيارات األجرة والنقل العام في عواصم أوروبا!! أي إجـــراء آخــر كــان سيتم اتــخــاذه مـع الـنـظـام الـقـطـري خــاف مـا حــدث لـن يـكـون مجديا وسيجعله يبحث عن سيناريو آخـر. هذه إذن لحظة الحقيقة الكبرى في املنطقة، يدعمها وعي جديد يتشكل في العواصم العربية املؤثرة ؛ في الرياض وأبو ظبي والقاهرة وغيرها باتجاه هدف إستراتيجي ال يتمثل في خلق االستقرار وحسب، بل في التخلص من كل العوامل التي يمكن أن تسهم يوما ما في إعادة الفوضى ودعمها واالحتفاء بها.