Okaz

من الواجب معاجلة الوضع في اليمن

-

لعل من أصعب القضايا عقد مقارنة بني نظام (شرعي) يعترف به املجتمعان اإلقليمي والـدولـي، وآخـر (انقابي) يفرض أمـرًا واقعًا بالقوة والقسوة، ومرد ذلك أن املواطن البسيط ال يعنيه الدفاع عن أحدهما وانتقاد اآلخر، إذ هو معني بمن يقدم له الحد األدنى من متطلبات الحياة غذاء وخدمات صحية وأمنًا، فإذا عجزا عن ذلك تنكر لهما واستعان على قضاء أموره بوسائله الخاصة، ويزداد األمر قتامة حني تصبح الحرب الدائرة بينهما تدور في نطاق ضيق للحفاظ على مكاسب خاصة يكون الوطن واملواطن في أسفل الهموم. منذ اندالع الحرب توالت الكوارث اإلنسانية وصار البحث في مخرج لها يدور في مدار حلزوني بني األمل الكاذب في قمته واليأس املطبق في قاعه، وترتفع معدالت اإلحباط واألحزان، وتتوالى الكوارث والنكبات، ويزداد نزيف الدماء والدمار، ومع هذا كله ال يلتفت قادة الحرب املحليون إلى معاناة الناس بل يزداد تركيزهم على ما يحققونه ألنفسهم وخاصتهم األقربني من مكاسب مادية ومعنوية. تقول التقارير الدولية ذات املصداقية العالية إن أعداد القتلى جراء هذه الحرب قد بلغت أرقاما غير مسبوقة وإن أعداد األطفال القتلى واملشوهني تتصاعد باستمرار، ويتم التعرض للمدنيني جراء القصف العشوائي بصورة تـزداد بشاعة نتائجه كل يوم، ويفاقم من الحزن أن الطرفني املتحاربني يكتفيان بتبادل االتهامات كما لو كان األمر سباقًا لتحقيق نقاط يستعينون بها لتحميل اآلخر مسؤولية ما يحدث مبتعدين عن االلتفات إلى النتائج املستقبلية التي تشير إلى انشقاق أفقي ورأسـي داخل املجتمع ستكون له آثار مدمرة ستحتاج إلى أجيال لرأب صدعها ومللمة جراحها. لقد حان الوقت دون إبطاء للتوقف ملراجعة الـذات وإعــادة النظر في إدارة شأن اليمن، وهكذا أمـر يستدعي مـن املجتمع الـدولـي استخدام مـا عندهم مـن قــدرة ونـفـوذ للتفكير خــارج األطر التقليدية، واألهم هنا تقديم مصلحة املواطن اليمني البسيط املرتهن بني املتحاربني دون أن ينصت أحـد إلـى بكائه وقهره وضعفه وأن انتشار األوبئة وضعف البنية التحتية الصحية بلغ حدا يكون معه املجتمع الدولي ملزما إنسانيا بتجاوز كل مفردات (السيادة) و(الدفاع عن الشرعية) وعليها التعامل املباشر مع هذا املأزق اإلنساني املفزع. ال أحد يجوز له التشكيك في ضعف أداء الحكومة الشرعية وال يجب وضعه في خانة املقارنة مع (االنقابيني) الذين تخلوا طواعية عن مسؤوليتهم متخفني تحت شعار (ال صوت يعلو فوق صوت املعركة) واستعملوه لقهر الناس والبطش بهم وقمع كل الحريات العامة والشخصية، ومن السخرية أن الجميع يجني مكاسب مادية ضخمة بل وصارت شبكة املصالح املالية تجمع بني أعداد منهم مستفيدين من استمرار الحرب التي جعلت منهم أثرياء حرب تاشت عندهم كل املفاهيم األخاقية واإلنسانية. لقد دفعت دول التحالف ثمنا باهظا إلنقاذ اليمن يستدعي أن تفتح األبــواب مشرعة لكل من يسعى لتحقيق نهاية لها تتدارك ما بقي في اليمن إنسانيا، ولعل من املفيد التذكير بما يقضيه بعض أفراد الحكومة الشرعية من أوقات لاستجمام بينما األطفال والعجزة ينتظرون منهم شيئا من الجهد إلنقاذهم من ويات هذه الحرب، وفي ذات اللحظة يواصل (االنقابيون) في صنعاء االستياء على كل ما تصل إليه أيديهم من مـوارد ينفقونها على مشروعهم املذهبي الذي يتصورون أنه سيعيد لهم حقا إلهيا يتوهمونه وأوغلوا في تشبثهم به إلى مستوى غير مسبوق في تعديل املناهج املدرسية لتثبيته مبتعدين عن حتمية جعلها نصوصا يجب أن يتوافق عليها املجتمع. اليمن انـزلـق إلــى منحدر مـن األحــقــا­د واألحــــز­ان يـلـزم دول الخليج الـتـدخـل اإليـجـابـ­ي وجمع اليمنيني على كلمة سـواء لتدارك سـوء املنقلب الـذي ستطال نيرانه املنطقة وحينها لن يفيد التحقق عن من املسؤول وضرورة معاقبته.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia