Okaz

املقاومة الوطنية واإلرهاب..!

-

ال يمكن أبدا تبرير أعمال العنف، إذا وجهت ضد أبرياء ال ذنـــب لــهــم فــي الـقـضـيـة الــتــى يــهــدف الــعــنــ­ف املعنى خدمتها، أو إثارتها. إن التهاون مع اإلرهــاب، أيا كان نوعه، وأيا كان مصدره، يشجع اإلرهابيني على القيام باملزيد من جرائم القتل والتدمير. فالهدف املبدئي من القتل والتدمير واالعتداء الجسدي في اإلرهاب، هو: إخافة آخرين، والضغط عليهم… لتحقيق أهداف معينة، أو يمكن تعيينها (انطالقا من مبدأ «قتل واحد، يخيف مئات»). يكون الفعل «إرهابًا» عندما تكون أهدافه ووسائله غير مشروعة… أمـا عندما تكون «األهــداف» مشروعة وحقا، و«الوسائل» كذلك، فإن الفعل ال يصبح إرهابًا، بل ربما عمال إيجابيًا، يجب دعمه واحــتــرا­مــه… مـن قبل البشر األســويــ­اء. وقــد يسمى عندئذ بمسميات أخـــرى. كــأن يـوصـف بـأنـه «مــقــاومـ­ـة»، أو «نــضــال» مــشــروع. ويـجـب أن يصنف أي إرهاب حسب طبيعة «هدفه»... بحيث يكون «سياسيا» إذا كان الهدف سياسىيا، و«فكريا» إن كان الهدف كذلك... وهكذا. الـبـعـض يــرى أن أي فـعـل بـشـع يـكـون مـشـروعـًا، عـنـدمـا تـكـون أهدافه مشروعة، وحقا، ونبيلة… وإن كانت وسائله شريرة، وسيئة … ولكن إذا اعتبرنا «اإلرهـــاب» وسيلة، كما هـو، في معظم الـحـاالت، وسلمنا بـأن هـذه الوسيلة تتضمن اإلضــرار بأناس غالبًا ما يكونون أبرياء، فإن هذه الوسيلة ال شك تعتبر سيئة، بل إجرامية… والبـد أن يسمى استخدامها إرهابا...فلكـي يكون الفعل مشروعًا، وخيرًا، وغير إرهابي، ال بد أن تكون األهـداف والـوسائل (معًا) مشروعة، وخيرة.

*** وهناك شيء من التداخل بني أعمال املقاومة الوطنية، وبعض أعمال اإلرهاب. وهناك شبه إجمـاع عاملـي على مشروعية مكافحة «االستعمار»، بأشكاله املختلفة، واحتالل أراضي الغير بالقوة، وأيضا االستبداد. إذ إن مقـاومة«االستعمار» و«االحتالل» واالستبداد تعتبر عمال نضاليًا مــحــمــو­دًا … ألنـــه مــن قـبـيـل الـــدفـــ­اع عــن الــنــفــ­س، ضــد أطـــــراف بادرت بـالـعـدوا­ن، ولــزم رد الفعل تجاهها لحماية النفس والـحـقـوق. معظم الحقوقيني وعلماء ومفكري السياسة والقانون يعتبرون «االستعمار» و«االحتالل» و«االستبداد» السياسي، أسوأ درجات اإلرهاب السياسى، وأكثرها قسوة وتدميرًا، وكلها تهدف لتحقيق أهــداف شريرة، والبد أن تثير ردود فعل عنيفة ضدها. فلوال وجود االستبداد واالستعمار واالحتالل ملا كانت كثير من عمليات العنف، أو ما يسمى (تجاوزًا، في هذه الحالة) - «إرهابًا»… يـعـرف «اإلرهــــا­ب الـسـيـاسـ­ي» بــأنــه: مـحـاولـة فــرد أو جـمـاعـة، أو دولة تحقيق بعض األهداف السياسية (عدا مقاومة االستبداد والعمل على الـتـحـرر مــن ربقتي االسـتـعـم­ـار واالحــتــ­الل األجـنـبـي­ـني) عبر استخدام العنف وتخويف وإرعاب صانعي القرار املعنيني، والضغط عليهم… وذلك بقتل أو جرح بعض الناس، ولو كانوا أبرياء، وال دخل مباشرا لهم في القضية املراد خدمتها، وتدمير منشآتهم… أو بوسائل أخرى غير مشروعة. ولـكـن هــذا التعريف غير مقبول عند كثير ممن يـمـارسـون اإلرهاب الحقيقى، ويشجبون املقاومة الوطنية (إسرائيل - مثال). إن مقاومة االستبداد واالستعمار، بشتى صنوفه واالحتالل بأشكاله، هي مقاومة لـ «اإلرهــاب» الحقيقي … في أسوأ وأمر درجاته. وهي حق مؤكد لكل الـنـاس والشعوب التي ابتليت باالستعمار واالحــتــ­الل، كفلته معظم الشرائع واملـواثـي­ـق، شريطة ممارسته ضمن إطــار معني، وأن ال يطال أذاه أبرياء ال دخل مباشرا لهم في املظلمة املعنية. ومن الطبيعي أن ال يعترض على مقاومة اإلرهاب الحقيقي، إال اإلرهابي الحقيقي.

*** والسؤال األهم الذي يجب أن يطرح هنا، هو: هل تجوز مقاومة اإلرهاب بـ «إرهـاب» ؟! وبمعنى آخر: إذا كان االستبداد واالستعمار واالحتالل إرهابًا، هل يجوز أن يقاوم هذا اإلرهاب السياسي بـ «إرهاب سياسي» مضاد؟! يرى كثير من املعنيني بدراسة هذه الظواهر، من الغربيني وغيرهم، أن «اإلرهاب السياسي» يصبح جائزًا بشرطني رئيسيني: -1 أن يستخدم ضد استبداد أو استعمار أو احتالل سياسي مؤكد. -2 عدم املساس باألبرياء من الناس… وتركيز الفعل الترهيبـي على املـسـؤولـ­ني مـبـاشـرة عــن االسـتـعـم­ـار واالســتــ­بــداد واالحــتــ­الل. ويضيف البعض إلـى ذلـك شــرط: استنفاد الطرق السلمية (املـفـاوضـ­ات) لوقف العدوان. فـي هــذه الـحـالـة، يصبح هــذا «اإلرهــــا­ب السياسي» عـبـارة عـن «عنف ســيــاســ­ي»، أو «مــقــاومـ­ـة» مــحــمــو­دة، فــي رأي الــبــعــ­ض. أمـــا «اإلرهـــــ­اب السياسي» املذموم واملرفوض، والذي يجب أن يقاوم وعلى كل الصعد، فـهـو «اإلرهـــــ­ـاب» الــــذي يـمـس أبـــريـــ­اء. إن «تـــداخـــ­ل» ظـــواهـــ­ر: اإلرهــــا­ب، االستبداد، االستعمار، االحتالل، املقاومة، مع بعضها البعض، يجب أن ال يحجب الحقائق الساطعة عن األعني، ويعيق تحديد الخيط األبيض من األسود.

*** وال شك أن من الضروري تعريف وتحديد «املقاومة» املشروعة، جنبًا إلــى جنب مـع تعريف «اإلرهـــــ­اب»، والـتـفـري­ـق بينهما… حتى يتضح الفارق الجوهري بني الظاهرتني املتشابهتن­ي… ويفوت على املغرضني خلط األوراق - كعادتهم، واعتبار الحق باطال، والباطل حقًا. وما زال العالم يتطلع ملنظمة األمـم املتحدة لوضع واعتماد هذين التعريفني املهمني. وغالبية الخبراء املعنيني يـرون أن «املقاومة املشروعة» هى: «محاولة فرد أو جماعة ما مكافحة االستبداد واالستعمار واالحتالل السياسي، عبر تخويف (ترهيب) املسؤولني مباشرة عنه، والضغط عليهم … مع عـدم التعرض لألبرياء، أو بوسائل أخــرى… بعد تأكد استنفاد الوسائل السلمية، لوقف العدوان». أي فعل يجوز اعتباره حسنا ومشروعًا، إذا سلمت أهدافه ووسائله. و«وسيلة» اإلضرار بأناس (غالبًا ما يكونون أبرياء) ال يمكن اعتبارها وسيلة مقبولة، في كل القوانني واألعراف. ومن يستخدم هذه الوسيلة يـفـقـد مــا قــد يمكنه اكـتـسـابـ­ه مــن تـعـاطـف ودعــــم، بـسـبـب مــا قــد يكون ألهدافه من قبول.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia