Okaz

هل تنسحب الواليات املتحدة من منظمة التجارة العاملية؟

-

كنت وال زلت من الداعمني واملساندين لسياسة التجارة الحرة التي تنادي بفتح األسواق للتجارة واالستثمار في جميع دول العالم دون قيود الجمارك املرتفعة التي كانت تضعها بعض الدول الكبرى والصغرى والنامية لحماية منتجاتها املحلية وصناعاتها الوطنية، وهــي سياسة طالبت بها الـــدول الصناعية الكبرى مـن خالل االتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) والتي أنشئت بعد الحرب العاملية الثانية، والتي تحولت فيما بعد إلى منظمة التجارة العاملية التي أنشئت عام 1995 كأحد أصغر منظمات األمم املتحدة عمرا تختص بالقوانني الدولية املعنية بالتجارة ما بني األمم، وتنحصر مهمة املنظمة األساسية في ضمان انسياب التجارة دون قيود وعوائق وبسالسة وحرية بني أسواق الدول األعضاء في املنظمة، وتهدف هذه السياسة إلى تطوير اإلنتاج في الدول األعضاء وفتح أسواق جديدة له في الدول األعضاء. ورغـــم اعــتــراض الـعـديـد مــن الــشــركـ­ـات املـصـنـعـ­ة الـصـغـيـر­ة واملـتـوسـ­طـة فــي الــــدول الـنـامـيـ­ة من غزو الـدول الصناعية الكبرى ألسواقها ومنافستها بالجودة والسعر إال أنها ساعدتها على تطوير إنتاجها وخـفـض تكاليفها، بـاإلضـافـ­ة إلــى فتح أســـواق جـديـدة لـهـا، وبـهـذه الفلسفة وافقت شركات الدول النامية والفقيرة على دخول دولها كأعضاء في منظمة التجارة العاملية وفتح أسواقها لـلـواردات املماثلة من الــدول األعضاء مع الحفاظ على حق الــدول في محاربة اإلغراق في أسواقها والذي يسعى إلى وقف صناعاتها وخروجها من املنافسة العادلة، ورغم تخوف املصنعني واملزارعني وشركات الخدمات إال أن فوائد االنضمام كانت أقـوى، وانضمت اململكة العربية السعودية إلـى منظمة التجارة العاملية كعضو بكامل العضوية رغبة في أن تدعم صادراتها السعودية وفتح أسواق عاملية لها، وأيضا االستفادة من األسواق العاملية في تصدير أهم منتجاتها (البتروكيما­ويات) والصناعات املعدنية كالحديد والفوسفات وغيرها من الصناعات األخرى باإلضافة إلى فرصة استقطاب الشركات العاملية لالستثمار في أسواق اململكة. ويعتبر الغرب وتقوده الواليات املتحدة األمريكية أكبر داعم ومساند ومشجع وضاغط على بقية دول العالم لالنضمام ملنظمة التجارة العاملية ومهددا من لم ينضم للمنظمة بقفل األسواق أمام منتجاتها. وتدافعت وتسارعت معظم دول العالم ما عدا الصني العمالق االقتصادي في آسيا، والتي أخذت وقتها لدراسة اإليجابيات والسلبيات، وكان الغرب والواليات املتحدة مترقبني اللحظة الحاسمة لدخول الصني لفتح أسواق الصني أمام السلع األمريكية واألوروبية، وال سيما أن األرقام كانت قبل انضمام الصني ال تتجاوز )243.55( مليار دوالر إجمالي واردات الصني، وبعد انضمامها قفزت وارداتها إلى )1.68( تريليون دوالر خالل 15 عاما بمتوسط نمو مستوى بلغ ( ،)%10.3 وأصــبــح الطلب الصيني الضخم على الــــوارد­ات األجنبية يمثل عـامـل اسـتـقـرار كبيرا وسط االقتصاد العاملي البطيء النمو، وبالنسبة للدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية أصبح السوق الصيني أساسا قويا لضمان استمرار النمو والتنمية فيها حيث وصلت قيمة االستثمارا­ت الصينية الخارجية املباشرة فـي عـام )م2015( حـوالـي )145.67( مليار دوالر كثاني أكبر مستثمر في العالم خارج وطنه. وبعد انضمام الصني ملنظمة التجارة العاملية كـان الغرب وأمريكا سعداء جـدا بفتح أسواق الصني ملنتجاتهم إال أنهم بعد 15 عاما اكتشفوا أن الصني كانت أذكـى منهم وأن السياسات الصناعية وسياسات التجارة الخارجية الصينية أقوى وأسـرع في تحقيق األهـداف معتمدة على املنافسة باألسعار وأخيرا بالجودة حسب املواصفات األمريكية واألوروبية. مما أثار حفيظة السياسات االقتصادية األمريكية واألوروبية حيث بدأت الواليات املتحدة في عهد الرئيس ترمب تبحث بكل الطرق والوسائل إلضعاف املارد الصيني وخفض سرعة املكنة الصينية املنتجة وعرقلة قوة ومتانة الصادرات الصينية، حتى لو أدى األمر إلى التراجع عن بعض شروط منظمة التجارة العاملية، وأخشى ما أخشاه أن يؤدي خوف الواليات املتحدة على نمو اقتصادها وصادراتها ولحماية مصانعها من املنافسة الجبارة الصينية في األسواق األمريكية، إلى االنسحاب التدريجي للواليات املتحدة وبريطانيا من منظمة التجارة العاملية مثل انسحاب الـواليـات املتحدة مـن اتفاقية حماية البيئة وقـد كـان االنسحاب بقوة الضغط االقتصادي من الصناعات األمريكية ولو اتخذت خطوة مثل هذه أخشى على نمو االقتصاد الصيني نتيجة تراجع صادراته وبالتالي أخشى مواجهة أزمة ركود اقتصادي في معظم دول العالم ألن معظم دول العالم وعلى وجه الخصوص الدول املصدرة للبترول والبتروكيم­اويات تعتمد كثيرا على نسب نمو االقتصاد الصيني. ويبقى السؤال ما هي الحلول ملواجهة أزمة ركود اقتصادي متوقعة قادمة وفي وجهة نظري وحسب اقتراحي في كتابي الـذي أصدرته قبل شهور باسم (التكتالت االقتصادية اآلسيوية ستقود العالم) أوصـي بضرورة االنضمام إلـى تكتالت اقتصادية آسيوية قائمة واالنضمام إلى تكتالت آسيوية عاملية مثل تكتل مجموعة البريكس وفي وجهة نظري أن أي تكتل آسيوي تقوده الصني والهند واليابان سيكون له تأثيره االقتصادي عامليًا وسيكون بوابة للبترول الخليجي وصادرات البتروكيما­ويات الخليجية. * كاتب اقتصادي سعودي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia