ما لم تعرفه عن علي العميم
رغم مرارة مغادرته مللحق «عكاظ» الثقافي، إال أن تجربتي الشخصية مع الكاتب والباحث علي العميم ذات قيمة مختلفة، وتفاصيل صغيرة مــهــمــلــة، كــانــت تـكـشـف يــومــًا بــعــد يــــوم، قدرته البحثية، واتساع معرفته بالحركات اإلسالمية، خصوصًا السياسية منها. ما ال تعرفه عن علي العميم، أنه متابع دقيق ملا يــدور في مواقع التواصل االجتماعي، لكنه ال يفضل التعامل مع «لوحة املفاتيح»، أو املراسلة عبر البريد اإللكتروني، فـال يــزال العميم يجر قلمه األزرق على الصفحات البيضاء، إذ يركز أكثر في الكتابة، ويعمق أفكاره. وأيضًا ما ال تعرفه عن علي العميم، أنـه دقيق جـدًا في مواعيده، إذ يتصل بي كل يـوم جمعة (أي قبل صدور امللحق بيوم واحد)، عند الساعة ،م2:30 ليقرأ مقاله كلمة كلمة، ويـحـرص جدًا على الـفـواصـل، خصوصًا املنقوطة منها، وال يهمل الجمل االعـتـراضـيـة، وتأصيل املفردات، وردها إلى جذرها اللغوي. إضافة إلى ذلك، ال يألو جهدًا في مراجعة املقاالت املـنـشـورة سابقًا، وقـراءتـهـا، وطـلـب التعديالت الــالزمــة عليها، كلما اسـتـجـد طـــارئ، إذ يؤمن أن تـحـديـث املـقـالـة بـاملـعـلـومـات املـسـتـجـدة، هو عنصر في غاية األهمية كون عصر اإلنترنت ال يسمح للمقاالت أن تدرس مع أدراج الرياح، بل تبقى حاضرة وطازجة في محركات البحث. ورغم الفارق، العمر الزمني، لم يكن علي العميم (مـــع حــفــظ األلــــقــــاب)، إال مـــرشـــدًا حـقـيـقـيـًا عبر مناداتي بـ«األستاذ»، و«الصديق» مرات أخرى، وأحيانًا بكامل الحقيقة (سعد)، دون أي صفة، ال تنفك من اللباقة ودماثة األخالق التي يتحلى بها العميم. وأيــضــًا مــا ال تــعــرفــه عــن عــلــي الــعــمــيــم، أنـــه لم يغضب قط، عندما أطالبه باالختصار في عدد الـكـلـمـات، بــل يمضي فــي االخــتــزال سـريـعـًا من الــذاكــرة، إذ يحدد الفقرات، والجمل، كأنه يقرأ مــن ورقــــة، ومـــا يـدهـشـنـي حقيقة أنــهــا ال تخل بفكرة الفقرة. وكـمـا أن هــذا الـبـاحـث الــجــاد، لـم يـرفـض طلبي عـنـدمـا تـحـدثـت إلــيــه إللــقــاء ورقـــة عــن تجربته الشخصية في احتفالية «عكاظ» بيوم الكتاب الـعـاملـي، إذ وافــق دون تـــردد، وحينما قــدم إلى «عكاظ»، وألقى ورقته، اكتشفت الحقًا أنه ألول مرة يظهر أمام الجمهور؛ ليقرأ تجربته. ولم يكن دائمًا يمنحني ما أريد، فعندما اخترت عضوًا في اللجنة الثقافية بمعرض جدة الدولي للكتاب لعام ،م2017 هاتفت العميم للمشاركة في إحدى الندوات املتعلقة بالحركات اإلسالمية واإلرهاب، فرد بلطافة بالغة: أشكرك، لكنه ليس اختصاصي الدقيق. ومضى يقترح أسـمـاء قد تستطيع أن تتحدث باستفاضة في الندوة. وفـــي الــخــتــام، هــنــاك مــا ال تــعــرفــه عــن العميم، فعزلته الـتـي تحيطه، هــي جـديـتـه فــي القراءة والبحث والكتابة، وها هو ينتقل من صحيفة «عكاظ» إلى محطته األولى، متمنيًا له التوفيق
في مهمته الجديدة. وشكرًا يا علي العميم.