Okaz

طاهر.. نفٌس إنسانٌي باٍق

- أحمد الشيخي *

قبل أيــام قلبت أمـي ماضيا طويال يمتد من طفولتي إلى أيام ماضية قليلة، ومن ضمنها تاريخ حقبة زمنية كانت مؤثرة في حياتي. كـــتـــب، مـــجـــال­ت، مــــذكـــ­ـرات جــامــعــ­يــة، بحوث، ومــن ضـمـن هــذه الــبــحــ­وث، بـحـث قلبته على عجل فــوجــدت نـفـسـًا مطبوعا على الكتابة؛ خــاصــة فــي دقــائــق الـنـفـس اإلنــســا­نــيــة؛ وكأن جزءا من روح دوستويفسكي حلت فيه، قلبت بــعــض األوراق وغــصــت فــي بــعــض السطور وشـــرقـــ­ت بــدمــعــ­تــي عــنــد بــعــض التعبيرات؛ تذكرت غرفتك.. ومكتبة والدك.. والوانيت ٧٨ والصيرورة التي كانت تحلق بنا دون شعور منا بذلك. لن أقول ليت ذلك الزمان يعود يوما ألنه ورقة في صفحات حياتنا وجزء من ذكرياتنا. عــنــوان الــبــحــ­ث: «الــقــصــ­ة وأثـــرهــ­ـا التربوي» بحث مقدم كجزء من متطلبات مـادة املكتبة والبحث لـ «طاهر الزهراني». الــعــام ٨١٤١/٩١٤١هـــــ­ــــــ، الــصــف شرعي! عـقـدان مـن الــزمــن! بالطبع أتـذكـر فـتـرة كتابة طاهر لهذا البحث، وأتذكر الروح املفعمة التي كـانـت تـسـري فــي جـسـده وتـبـعـث األدرينالن­ي الـــذي نــدركــه فــي حـركـة وحــديــث طـاهـر املفعم بالحماسة. وهذا الكنز وجدته ضمن كومة من الذكريات الــثــالـ­ـث (ب) بـقـيـت فـــي حــمــايــ­ة وحـــراســ­ـة والـــدتــ­ـي، وكـــم تحتفظ أمي لي من أسرار فاملجد لك يا أماه. وعندما وقعت عــيــنــا­ي عــلــى بــحــث طــاهــر شـهـقـت كـطـفـل وقـــع على أجمل لعبة أو أشهى حلوى. هجمت على البحث وأسرني الغالف الورقي البسيط املــــلــ­ــون كــبــســا­طــة ذاك الــــزمــ­ــان وبساطة كاتبنا اإلنــســا­ن، قلبت البحث وسحرني خط طاهر الذي ما زالت حركته تسري في النص إلى اآلن بينما كثير من النصوص تموت. وأما البحث، فإن ما استرق روحي الباب الثاني املتعلق باآلثار التربوية للقصة؛ تـــلـــك اآلثــــــ­ـــار املــــســ­ــطــــرة بـــلـــغـ­ــة ال يصدق القارئ أنها لطالب في تلك السن ألن اللغة كبيرة ككبر عقل وخبرة وروح وإنسانية طاهر.. إن الـنـفـس اإلنــســا­نــي الـــبـــا­رز فــي لغة طــاهــر يـنـبـئ عــن كــاتــب مـطـبـوع على الــكــتــ­ابــة والــنــزع­ــة اإلنــســا­نــيــة والتي ستكون عالمة مميزة لطاهر ككاتب وكــإنــسـ­ـان، هـــذه الــــروح والــتــي تسري في روايــات طاهر من «جانجي» إلى «الـفـيـومـ­ي» هـي مـا يميز طـاهـر وهل يالم طاهر؟ فاإلنسان يستحق ذلـك وأكـثـر، اإلنـسـان الــذي يقهره أخـــوه اإلنـــســ­ـان، اإلنــســا­ن الـــذي حــرمــت عـلـيـه أنظمة االســـتــ­ـبـــداد كـــل شـــيء حــتــى حـــق املــنــام­ــات البريئة، اإلنــســا­ن املستعبد فــي زمــن حـقـوق اإلنــســا­ن، والذي مكننته جشع وأنانية إنسان آخــر.. الحب في رواية «امليكانيكي» ثــورة ضد األحـكـام االنطباعية والتي تتصور «الصنايعية» كـأكـوام لحم بال مشاعر؛ ألن أبسط األمور أن نحتكر معالم اإلنسانية ونــوزعــه­ــا كـإقـطـاعـ­يـات تبعا للعقلية القبلية وال نتصور أن غير اإلقطاعيني مـــــن املــــلــ­ــونــــني واملـــــع­ـــــاقـــ­ــني والــــفــ­ــقــــراء والبسطاء وأبـنـاء األزقــة و«الكدادين» لهم الحق في اإلنسانية والعيش، هذه اإلنسانية التي انبرى طاهر ليكون من ضمن املحامني واملنافحني عنها دون أتعاب أو شهرة؛ فقط ألن طاهر إنسان ويدرك قيمة اإلنسانية. إن هذه األعمال العظيمة والتي ال تؤمن بـاالصـطـف­ـاف فــي رفـــوف املحسوبيات هــي الــتــي سـتـبـقـى وسـتـخـلـد وستجد األرضية الواسعة والصدى املتردد في فسيح الكون ألن الكون يؤمن باإلنسان، إن الـحـبـر الـــذي تكتب بــه سـطـور هذه األعـــمــ­ـال مـــدادهــ­ـا مــعــانــ­اتــنــا.. آالمنا.. طموحنا.. أحالمنا... صراعاتنا.. وهذا املداد مداد خالد، وهذا الخلود واملجد هـــو مـــا يــمــيــز األعـــمــ­ـال اإلنــســا­نــيــة عن غيرها فــي لغة بعيدة عــن ألــغــاز األســطــو­رة وسطو االنــتــه­ــازيــني وحـــقـــا­رة املــــادي­ــــني. فـلـيـعـش اإلنسان، فلتعش اإلنسانية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia