النار الهادئة للمعارضة اإليرانية
الـــقـــطـــرات الــقــلــيــلــة تــصــنــع جــــــدوال. هــــذا املثل الــيــابــانــي الــشــفــاف ولــکــن ذو املـعـنـى العميق، يمکن سحبه على املشهد اإليــرانــي، بعد الذي تداعى ويتداعى عن الحملة السياسية اإلعالمية القضائية التي تقودها زعيمة املجلس الوطني للمقاومة اإليرانية، مـريـم رجـــوي، منذ سنة بـشـأن املطالبة بفتح ملف مجزرة صيف عام ،1988 الخاص بإعدام 30 ألف سجني سياسي، والتي أسفرت فيما يبدو عن تحقيق أهداف لم يعد بوسع طهران التغاضي عنها أو تجاهلها. هــــذه الــحــمــلــة الـــتـــي وجــــــدت لــهــا أصـــــــداء وتـــأثـــيـــرات على اجتماعات مجلس حقوق اإلنسان في جنيف املنعقد حاليا وما ينتظر أن تترکه على اجتماعات الجمعية العامة لألمم املتحدة خــالل هـذا الشهر، يبدو أنها فـي طريقها لتجاوز الکثير من الخطوط والعقبات التي وضعتها الجمهورية اإلسالمية اإليرانية في طريقها، ذلك أن تمکن مريم رجوي من إدراج هذه املجزرة التي اعتبرتها منظمة العفو الدولية حينها بمثابة جريمة ضد اإلنسانية في دول أعمال الجمعية العامة لألمم املتحدة وإصـــدار بيان رسمي بإدانتها، فإن ذلــك سيفتح الــبــاب على مصراعيه للسير بـاتـجـاه الهدف األهم الذي تسعى إليه رجوي ومن ورائها املجلس الوطني للمقاومة اإليرانية واملتمثل باملطالبة بجرجرة املتورطني في هذه املجزرة من قادة ومسؤولني إيرانيني أمام محکمة دولية خاصة ملحاکمتهم على تلك املجزرة التي وقعت على إثر فتوى للمرشد اإليراني السابق بسبب أفکارهم السياسية وليس جرائم قاموا بارتکابها. ولــعــل قــيــام املــرشــد اإليـــرانـــي األعــلــى الــخــامــنــئــي، بإرسال مستشاره وواحـد من أقـرب املقربني إليه، کمال خـرازي إلى باريس والتقائه بوزير الخارجية الفرنسي األسبق «اوبر فـــيـــدريـــن»، وســعــيــه لـلـتـأثـيـر عـلــيــه مـــن أجـــل حــمــل باريس على حظر نشاطات وفعاليات املجلس الوطني للمقاومة اإليـرانـيـة، هو في حد ذاتــه اعـتـراف ضمني بالنجاح الذي حققته رجـوي في قيادتها لحرکة املقاضاة واقترابها من الهدف األهم الذي تسعى إليه. منذ قـرابـة أربـعـة عقود على الـصـراع الـضـاري بـني طهران وهــذه املعارضة، سعت األولــى دائما وألسـبـاب واعتبارات مختلفة تـجـاهـل هـــذه املــعــارضــة والـتـقـلـيـل مــن شـأنـهـا بل وحتى االدعاء بأنها قد انتهت ولم يعد لها من وجود، ومع أن هـذه املعارضة نجحت فـي تحقيق العديد مـن املکاسب الـسـيـاسـيـة الــهــامــة فــي مــشــوار مـواجـهـتـهـا وصــراعــهــا مع طهران والتي کان أهمها إخراج منظمة مجاهدي خلق من قائمة التنظيمات اإلرهابية وکذلك عملية نقل ثالثة آالف عضو للمقاومة اإليرانية من العراق حيث کانوا يواجهون تهديد اإلبـــادة الجماعية إلــى ألبانيا، إال أن نجاحها في تــدويــل مــجــزرة صـيـف عــام ،1988 سـيـکـون األهـــم مــن دون جـــدال، ذلــك أنـهـا تتعلق وتـرتـبـط بــواحــد مــن أکـثـر امللفات إحراجا وتهديدا إليران وهو ملف حقوق اإلنسان، والسيما عندما طالبت ممثلة األمم املتحدة املعنية بحقوق اإلنسان فـي إيــران بخصوص تلك املـجـزرة بـــ«إجــراء تحقيق شامل ومستقل بشأنها»، ما يعني بأن مسار وسياق الصراع بني الطرفني يسير باتجاه منعطفات الحسم، ويـبـدو أن النار الهادئة التي قامت هذه املعارضة بإشعالها تحت النظام السياسي القائم في طهران، تزداد سخونة وتأثيرا مع األيام وأنها لو سارت بهذا الشکل فإنها ستصل حتما إلى الدرجة التي تحرق بها النظام!