Okaz

دولة األكراد.. الكابوس القادم

- خالد عباس طاشكندي ktashkandi@okaz.com.sa @khalid_tashkndi

يبدو أن منطقة الشرق األوسـط املوعودة باألزمات والكوارث السياسية املتالحقة واملمتدة، على شفا كارثة جديدة مع حالة العناد وإصـرار إقليم كردستان العراق على إقامة استفتاء انفصال اإلقليم خالل األيـام القادمة، لتحقيق حلم لم يتحقق منذ فجر التاريخ وعلى مر العصور في إقامة أول دولة مستقلة للقومية الكردية، وهو ما سيشعل سلسلة أزمات ستمتد بني أربع دول تتقاطع بينها األقاليم والتجمعات الكردية (العراق وسورية وتركيا وإيران)، وتشترك في ذات النزعة االستقاللي­ة للكرد التي تنامت على مر العقود األخيرة بسبب القوى االستعماري­ة الغربية التي خلفت لنا هـذه األزمــة التاريخية، وأوقعت املنطقة في تبعاتها وتداعياتها حتى أصبحت كالبركان القابل لالنفجار في أي لحظة دون أن تكون لدول املنطقة وشعوبها اليد الطولى في هذا الخالف وكوارثه املتعاقبة. فبعد الحرب العاملية األولى واتفاقية سايكس-بيكو التي شكلت دول املنطقة على أساس قومي، أعطت القوى العظمى آنذاك الوعود بإقامة دولة مستقلة لألكراد في معاهدة سيفر 1920 تتم على مراحل وصوال إلى ما يسمى حق تقرير املصير، وكان الرئيس األمريكي وودرو ويلسون وحزبه الديموقراط­ي داعمًا قويًا الستقالل األكــراد في تلك املعاهدة، ولكن بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية عام 1921 ووصـول الحزب الجمهوري األمريكي للحكم برئاسة وارن هاردنغ تراجعت االهتمامات السياسية األمريكية باإلبقاء على معاهدة سيفر، كما مالت املصالح األنجلو-فرنسية إلى تحقيق مطالب مصطفى كمال أتاتورك في تثبيت سيطرة الحكومة التركية على أجزاء كبيرة مما تبقى من أراضي اإلمبراطور­ية العثمانية، ومن بينها األقاليم واملناطق الجبلية التي تقطن بها أغلبية كردية، وبالتالي نقضت االتفاقية وحلت بديال عنها معاهدة لوزان عام 1923 التي قسمت كردستان بني أربع دول، متسببة في تشظي األمة الكردية وتفتت ثقافتهم ولغتهم وتراثهم، وإثارة حالة من الغليان لدى القوميني األكراد املقسمني في هذه الدول. واستمر نكأ الـجـراح الـكـرديـة وصــب امللح عليها بعد ذبــول دور الـقـوى االستعماري­ة الفرنسية والبريطاني­ة عقب انتهاء الـحـرب العاملية الثانية، وتـالهـا صـعـود دور قــوى عظمى أخــرى في املنطقة وهي الواليات املتحدة وروسيا اللتان استغلتا طموح األكراد في االستقالل كأداة لتحقيق مصالحها فـي املنطقة، إذ تحالفت مـع الحركات الكردية فـي دول وضـدهـا فـي دول أخــرى، كما حصل مع أكراد العراق وأكراد إيران، باإلضافة إلى دعمها األطراف املتنافسة داخل الكيان الكردي، كما حــدث بـني الـحـزب الوطني الكردستاني بقيادة جــالل طالباني ضـد الـحـزب الديموقراط­ي الكردستاني الذي يترأسه مسعود برزاني إلشعال الصراعات بينهم بما يحقق املصالح السياسية للقوى العظمى واإلقليمية. وسبق كل هــذا، صـراعـات تاريخية قديمة خاضها األكــراد الذين يعدون من أقــدم الشعوب التي سكنت الـشـرق األوســط إال أنهم أخفقوا منذ أن عرفهم اآلشــوريـ­ـون باسم «كـــوردو» حتى يومنا هذا في بناء دولة لهم، وتعود أبرز األسباب في ذلك إلى طبيعة املناطق الجغرافية التي توزعت فيها اإلثنية الكردية بالقرب من املناطق الرعوية والزراعية ومنابع املياه التي جذبت نحوها التجمعات القبلية فأدى إلى نشوب الصراعات والحروب على مناطق كردستان خالل الحضارات القديمة، وتلت ذلـك حــروب تاريخية عـديـدة على مناطق األكـــراد، ومـن بينها على سبيل املثال صراع الصفويني والعثمانين­ي في معركة «جالديران» عام 1514 التي انتهت بتقسيم األكراد بني الدولتني. لقد عانى الشعب الكردي كثيرًا خالل قرن ونصف خلت، ولديهم تراكمات وتظلمات تاريخية من العثمانيني والقاجارين­ي والبهلويني والستاليني­ني واإلنجليز والفرنسيني ونظام صدام حسني إلى األزمة السورية، هذه املالبسات جعلت القومية الكردية في حالة من الغليان املتواصل، ونجم عن ذلك أكثر من 18 ثورة وعشرات الحركات االحتجاجية، بدأت بالثورة القومية التحررية التي قادها الشيخ عبيد الله النهري عام 1880 ضد حاكم القاجار، وتعاقبت بعدها الثورات واالنتفاضا­ت الكردية املختلفة، مثل ثــورة مدينة السليمانية )1918( بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي وقمعتها القوات البريطانية باملنطقة، وانتفاضة جبال آرارات )1930-1927( بقيادة إحسان نـوري وتم القضاء عليها من قبل قـوات أتـاتـورك، وانتفاضة درسيم عام 1937 بقيادة سيد رضا وتم قمعها وتوقيع معاهدة «سعد آباد» بني إيران وأفغانستان والعراق للقضاء على أي حركات كردية تنشأ في هذه الدول، واندلعت غيرها من الثورات الكردية وجميعها باء ت بالفشل. نستخلص من كل هذا، أن األكراد كقومية ومجموعات عرقية إثنية في املنطقة هم بال شك ضحية للجغرافيا والنزاعات القبلية واالستعمار الغربي واستبداد بعض األنظمة الحاكمة، وعاش األكـراد في موطنهم على امتداد 4 آالف سنة، إال أنهم مع ذلك أخفقوا في بناء دولة لهم، وعلى دول املنطقة أن ال تنتقص حق األكراد املشروع في العيش بسالم دون اضطهاد وأن يحافظوا على هويتهم الثقافية وموروثاتهم ويحظوا بقيم العدالة االجتماعية واملساواة، ولكن على األكراد أيـضـًا أن يتفهموا ويتقبلوا الحقيقة التاريخية الـدامـغـة وهــي أنـهـم شعب بـال دولــة تخصهم وحدهم. املطالب الكردية بإقامة دولة مستقلة على أساس عرقي لم تعد أمرًا منطقيًا في زمن العوملة وال تتسق مع قيم الديموقراط­ية واملساواة وحقوق اإلنسان، وسوف تدفع حكومات املنطقة وشعوبها إلى حروب جديدة ومستمرة ضد األكراد، وبالتالي زعزعة األمن واالستقرار والبناء االقتصادي والتنمية، وكلما استمر هذا الحلم الكردي قائمًا سيظل كابوس القتل والدمار جاثمًا على شعوب املنطقة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia