Okaz

اإلرشاد الطالبي.. كم نحتاج إليه

-

ربما يذكر بعضنا شعوره أول يوم خطا بقدميه الصغيرتني إلى املدرسة لــيــواجـ­ـه عــالــم املــدرســ­ة الــواســع الــرحــب املــلــيء بـالـضـجـي­ـج واألصــــو­ات والشخصيات الشريرة والطيبة والغريبة والصادمة، ويتعلم أول درس فـي حياته املدرسية وهــو أن هــذا العالم يفتقد األمــان والــروتــ­ني الذي يعرفه بمنزله ويطمئن إليه. وبالتدريج يتعلم الطالب أو الطالبة، بني دمع وألم، التأقلم مع عالم املدرسة وتوقعاته منه. يتعلم أنه سيضطر بخبرته القليلة جــدا فــي الـحـيـاة ونـظـرتـه الــقــاصـ­ـرة، أن يـأخـذ قرارات سيدفع ثمنها غاليًا كان أم رخيصًا. مثال: تطلب بعض املدارس من األهل اختيار نشاط واحد للطفل، مثال سباحة أو كـاراتـيـه أو رســم أو نــجــارة. بعض الشخصيات لها ميول واضحة وتعرف بالضبط ما يناسب ميولها فتختار وتكمل طريقها بــال مــعــوقــ­ات. ولــكــن الـكـثـيـر مــن الـشـخـصـي­ـات وخــاصــة فــي أنظمتنا التعليمية ال تعترف بالفروق، بل تهدف لتلغيها وتطمسها، لضمان انصهار الطالب في بوتقة القطيع ليسهل على النظام التعليمي التحكم فيها، فهنا الكثير من الطالب سيعانون الحيرة - حيرة االختيار فهم ال يملكون ربما الخبرة أو الرؤية الواضحة. إنها حيرة سترافق الكثير من الطالب طوال فترة دراستهم وتطاردهم كـالـشـبـح املــخــيـ­ـف. يــأتــي وقـــت اخــتــيــ­ار الـقـسـم األدبــــي أو الـعـلـمـي مثال فـيـحـتـار­ون. ومــازلــت أذكـــر شخصيًا حيرتي الـشـديـدة وقـتـهـا. لــم يكن سهال علي أبدًا أن اختار. فهذا التقسيم كان بالنسبة لي جائرًا محيرًا. وباملناسبة فقد أثبتت الدراسات الحديثة عدم جدواه. فمثال أنا ال أحب الرياضيات كثيرًا وال الفيزياء ولكنني أعشق األحياء والكيمياء. طيب مـاذا سأفعل بهذه امليول إن اخترت القسم العلمي؟ وفي القسم األدبي كنت أحب جدا األدب والبالغة ولكنني ال أحب النحو وال التاريخ وال الجغرافيا كما كانت تـدرس بالحفظ والتلقني. وإذا تسألونني اليوم ســأقــول إن الـتـاريـخ والـجـغـرا­فـيـا قــد تـكـون مــن أحــب املـــواد إلـــي. ألنني حينما كنت طالبة جامعية في بريطانيا كنت أحضر بهدف التسلية بعض محاضرات تاريخية وتحسرت على الفرق في كيفية تعليم هذه املادة هنا وهناك. فالتاريخ ليس حفظًا وأرقامًا بل بحث واكتشاف وهو ليس ثابتًا بل متغير بتغير االكتشافات التي ترافق العثور على دالئل من املاضي تقلب مفاهمينا عن حضارة معينة أو شخص معني. واملهم انتهت حيرتي باختياري القسم العلمي وقبلت على مضض مثل غيري ما ال أحبه من مواد فيه فال خيار. والفرق أن النظم الحديثة اآلن تشجع الطالب من الثانوية أو قبلها اختيار املـواد املرغوبة فيمكن أن يخلط بني مواد علمية وأدبية بحسب امليول. وبعد الثانوي نصل ملرحلة اختيار التخصص الجامعي ويا لها من حـيـرة تـشـتـرك فيها كــل األســــرة. ويـتـم أحـيـانـًا االخــتــي­ــار الـعـشـوائ­ـي أو الخاطئ أو املتأثر بأشخاص أو ثقافات معينة تفضل مثال الطب أو الهندسة أو مثيالتها على رأي صديقتي املصرية «كليات القمة» كما يسمونها هناك. فـأيـن دور اإلرشـــاد الـطـالبـي طــوال كـل هــذه الـسـنـوات؟ إنــه مفقود رغم حاجتنا املاسة إليه. فليت وزارة التعليم تلتفت لهذا القصور وتبحث عن املتخصصني في هـذا الفرع املهم. فليس كل الطالب أوتوماتيكي­ا عناصر جامعية بــل بعضهم سيبدع فــي املـهـن الـيـدويـة أو الحرفية. وباملناسبة فقد عشت في سويسرا وأذكر أنني في أسبوع واحد ذهبت لطبيب العيون وبعدها احتجت لسباك يصلح تلفًا بسيطا في املطبخ فكانت فاتورة السباك أضعاف فاتورة الطبيب وما يربحه في الساعة أعلى بمراحل. لو توفر لنا اإلرشــاد الطالبي الجيد لرأينا فرقًا كبيرًا في املخرجات التعليمية وفي سوق العمل. فكم نحتاج إلى ذلك لتحقيق رؤية .2030

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia