ولي العهد.. من «عصرنة» الدولة إلى هندسة الشراكات والتحالفات
ﻳﺸﻐﻞ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ، ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻜﺜﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﺎﺩ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﻋﻦ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻛﻤﺼﺪﺭ ﺭﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﺪﺧﻞ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻧﺴﻖ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ، ﺿﻤﻦ ﺭﺅﻳﺔ ٠٣٠٢ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ. ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻷﺷﻬﺮ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻋﺎﻡ ٧١٠٢، ﺍﺣﺘﻞ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﺍﻟﺸﺎﺏ – ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻔﻪ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ – ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎﺗﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺭﺋﻴﺲ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻣﺴﺎﺭ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻧﺴﻖ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ. ﻗﺎﺭﻧﺖ ﺻﺤﻴﻔﺔ »ﺫﺍ ﻧﻴﻮﻳﻮﺭﻛﺮ« ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ، ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ، ﻭﺟﺎﺭﻳﺪ ﻛﻮﺷﻨﺮ ﺻﻬﺮ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺩﻭﻧﺎﻟﺪ ﺗﺮﻣﺐ ﺑﺸﻜﻞ ﺭﺋﻴﺴﻲ، ﻓﻜﻼﻫﻤﺎ ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻋﻘﺪﻩ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺎﺕ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ، ﺇﺫ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ، ﺃﻥ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ، ﻳﺤﻤﻞ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ، ﻭﺃﻧﻪ ﻭﺍﺿﻊ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺑﻼﺩﻩ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭُﻣﺒﺮﻡ ﺻﻔﻘﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻃﻼﻗﻪ ﺻﺎﻓﺮﺓ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺩﺧﻞ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺑﻌﻴًﺪﺍ ﻋﻦ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺒﺘﺮﻭﻝ. ﻭﺷﺒﻬﺖ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻛﻮﺷﻨﺮ ﺑﺎﻷﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻣﻬﺎﻡ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ، ﻭﺭﺳﻢ ﻧﺴﻖ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻜﺴﻴﻚ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ، ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ ﺭﺅﻳﺔ ﺗﺮﻣﺐ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭﺍﻟﻤﻐﺎﻳﺮﺓ ﻟﻺﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻷﺑﻴﺾ.
مهندس الرؤية
بـدورهـا، أشــادت صحيفة «نيويورك تايمز»، في أعقاب اللقاء الذي أجراه ولي العهد على شاشة ،)mbc( إذ أشارت إلى الجهد الواسع الذي يقوم بـه، لتنفيذ رؤيــة اململكة ،2030 والـتـي تمثل طـوق النجاة من تذبذب أسعار النفط على املستوى العاملي منذ عامني تقريبا، الفتة إلى أن األمير الشاب يقود رؤيته بشكل يقترب من النجاح الكامل. وعلى صعيد متصل، قالت صحيفة «الـغـارديـان» البريطانية، إن األمير محمد بن سلمان أحدث صدى واسعا خالل الفترة املاضية، ال سيما بعد لقاء الرئيس األمريكي في البيت األبيض، في مارس املاضي، للنقاش حول عدد من القضايا وامللفات التي تهم كال من اململكة العربية الـسـعـوديـة والــواليــات املـتـحـدة بشكل رئيسي في املنطقة. وأبرزت الصحيفة البريطانية العمالقة حديث ولي العهد في اللقاء التلفزيوني األخير، والذي أكد من خالله عزم اململكة عدم االنتظار لتكون أرضها هي ساحة الصراع مع إيران، األمر الذي مثل تحذيرا شديد اللهجة لنظام املاللي، وتوجيه رسالة له بضرورة التخلي عن أحالم فرض النفوذ العقائدي على العالم اإلسالمي. من جانبه، أكد الكاتب البريطاني أيان كينغ أن رؤية اململكة الشاملة ،2030 الـتـي رسمها ولــي العهد تمثل واحـــدة مـن أفـضـل خطوات اإلصــالح االجتماعي واالقـتـصـادي باململكة، مـشـددا على ضرورة تكثيف الطابع االجتماعي في إصالحات الرؤية الشاملة. وأوضح كينغ أن «رؤية »2030 فكرة رائعة، ولكن بوضوح تحتاج إلى بعض اإلصالحات االجتماعية، معتبرا أن دمج املرأة في سوق العمل والـوظـائـف املعتمدة على املــهــارات بشكل رئيسي هـي أهم بنود اإلصالحات االقتصادية للرؤية الشاملة.
التقارب السعودي األمريكي
وأبــرزت الصحف حديث األمير محمد بن سلمان خالل حـواره مع
الكاتب األمريكي املخضرم ديفيد أغناتيوس، عن تطلعه لعالقات أفـضـل مــع الــواليــات املـتـحـدة فــي ظــل سـيـاسـات الـرئـيـس األمريكي دونـالـد ترمب، ووصفه – ترمب – بأنه الرئيس الــذي أعــاد أمريكا إلى املسار الصحيح بعد سلفه أوباما الذي ال يثق فيه السعوديون، فلم يكمل تـرمـب 100 يــوم حتى اسـتـعـاد جميع تحالفات أمريكا التقليدية. مــن جـهـة أخــــرى، أكــــدت شـبـكـة «بــلــومــبــيــرغ» أن الــلــقــاء الــــذي جمع األمـيـر محمد بـن سلمان مـع الرئيس األمـريـكـي دونــالــد تـرمـب في البيت األبيض، يعد «نقطة تحول تاريخية» في عالقات اململكة مع الواليات املتحدة. وفي تقرير لها نقلت الوكالة: «لقد مرت العالقات بفترة من تباعد النظر في عديد من امللفات.. إال أن اللقاء أعـاد األمــور إلـى مسارها الصحيح وشــكــل نقلة كبيرة للعالقات بــني البلدين فــي املجاالت السياسية والعسكرية واألمنية واالقتصادية كافة». ووفـــق «بـلـومـبـيـرغ»: يعكس الـثـنـاء عـلـى «تـفـهـم» تـرمـب «الكبير» للعالقات السعودية - األمريكية حرص الدول العربية على تجديد الـتـحـالـف بـعـد الــتــوتــرات الـتـي شهدتها الـعـالقـة فــي عـهـد الرئيس السابق أوباما، الذي صاغ االتفاق النووي في عام 2015 مع إيران.
عصرنة السعودية
وذكــر مـديـر بـرنـامـج الخليج وسـيـاسـة الـطـاقـة فـي معهد واشنطن لدراسات الشرق األدنى سايمون هندرسون أن اإلدارة الجديدة تنظر إلــى الـسـعـوديـة «كــجــزء جـوهـري مـن الـشـرق األوســـط، ودولـــة مهمة لتحظى بعالقة إيجابية معها، حتى إن شهدت هذه العالقة بعض التوترات. وهذا يتناقض مع إدارة أوباما؛ لذا يرغبون في جعل ذلك تمييزا واضحا». وأضــاف تقرير الـوكـالـة: تأتي زيــارة األمـيـر محمد بـن سلمان بعد زيــارة قــام بها لواشنطن فـي يونيو بعد إزاحــة الستار عـن «رؤية ،»2030 الــتــي تــهــدف إلـــى «عــصــرنــة» أكــبــر دولـــة مــصــدرة للنفط، وتحويل اقتصادها إلى اقتصاد ال يعتمد على النفط. كما أن شركة
أرامكو السعودية تخطط ملا يمكن أن يكون أكبر طرح عام أولي في العالم، إذ من املتوقع أن يباع نحو 100 مليار دوالر من األسهم.
اخلطر اإليراني
وأضافت: قال السعوديون أيضًا إن ترمب واألمير محمد بن سلمان «تشاطرا وجهات النظر نفسها حـول خطورة التحركات اإليرانية التوسعية في املنطقة». ووفقا لكريستني سميث ديوان (باحث مقيم في معهد دول الخليج العربية فـي واشـنـطـن) فــإن الـسـعـوديـة ودول الخليج األخـــرى كان لـديـهـا «تـحـسـب إيــجــابــي» تــجــاه إدارة تــرمــب، وخــصــوصــا عندما يتعلق األمـر بما يعتبرونه نفوذا إيرانيا خبيثا في املنطقة. وفي فبراير، قالت إدارة ترمب إنها وضعت طهران تحت «املراقبة»، وذلك بعد أن قامت بتجربة صاروخية قبل أيام من ذلك الحني.
تواصل خليجي
من جانبه، ذكر ديوان أثناء كلمة ألقاها في واشنطن، أن السعودية والدول الخليجية أصبحت تستجيب اآلن لـ «سياسة ترمب الخارجية األكـثـر تخصيصا»، بما فـي ذلــك غـاريـد كوشنر، الــذي يلعب دورا بارزا مع الحلفاء في الخليج العربي. وأوضح ديوان قائال: تعد زيارة األمير محمد مؤشرا على محاولة دول الخليج «املبكرة لبناء عالقات وثيقة».
االرتقاء السياسي
وأشاد مدير معهد دراسات الشرق األوسط املعاصر وشمال إفريقيا، فــي جـامـعـة بـريـنـسـتـون األمــريــكــي الـكـاتـب املـخـضـرم البروفيسور بـرنـارد هيكل، بصعود األمير محمد بن سلمان إلـى واليــة العهد، مــشــيــرا إلـــى أن خــطــوات االرتـــقـــاء الـسـيـاسـي لـأمـيـر الــشــاب تحمل
خططا مستقبلية جيدة إلبقاء اململكة في صورتها القوية بالشرق األوسط. وأوضــــح بــرنــارد، فــي ســيــاق مـقـالـه بصحيفة «إيــريــش إكزامينر» اآليرلندية، أن تولي األمير محمد بن سلمان واليـة العهد سيؤدي إلـــى تـبـسـيـط عـمـلـيـة صــنــع الـــقـــرار، وتـخـفـيـف املــخــاطــر السياسية املتأصلة في أي نظام من مراكز الـقـوى، األمــر الــذي من املتوقع أن ينعكس بــــدوره فــي قـــوة الـــقـــرارات الــتــي تـتـخـذهـا الـسـعـوديـة على مستوى السياسات الخارجية. وأشـار البروفيسور املخضرم إلى أن دعم خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبدالعزيز وثقته الكبيرة في ابنه األمير محمد بن سلمان، لم تكن الدافع الوحيد ملنحه هذا املنصب الرفيع، الفتا إلى أن ولي العهد الشاب يتمتع بثقل سياسي واضــح، أهله على مدار السنوات األخـيـرة لتولي هــذا املنصب عـن جــدارة واستحقاق رغم صغر سنه. وأضــاف هيكل، أن محمد بـن سلمان أظهر خبرة وثـقـال كبيرا في الـتـعـامـل مــع الـعـديـد مــن املـلـفـات الـحـيـويـة عـلـى مـسـتـوى السياسة الخارجية، والتي كان على رأسها إقامة عالقات رائعة مع الرئيس األمريكي دونالد ترمب، ودعمها بصفقات من العيار الثقيل على املستوى العسكري واإلستراتيجي واالقتصادي، بما يضمن الشراكة العميقة بني الرياض وواشنطن. وأضـــاف البروفيسور األمـريـكـي، أن محمد بـن سلمان استطاع أن يذهب باقتصاد اململكة بعيدا عن الـصـورة التقليدية التي لطاملا حكمت الـقـواعـد املنظمة لــه، وسـعـى لصياغة سياسات اقتصادية جـديـدة تشمل إجـــراءات ترشيد استهالك وخـطـوط رئيسية لجذب االســتــثــمــارات األجـنـبـيـة إلـــى املـمـلـكـة، فــضــال عــن املــضــي قــدمــا في خطوات انفتاح بالده على الثقافات والجوانب الترفيهية العاملية. وشدد هيكل، على أن أهم بنود خطط ولي العهد التي تتعلق برؤية 2030 الشاملة، تهدف في املقام الرئيسي لتحويل اململكة بعيدا عن االعتماد الرئيسي على الدخول النفطية، ومن ثم تنشيط القطاعات املـسـاهـمـة فــي االقــتــصــادي الــســعــودي، بـمـا فــي ذلـــك االستثمارات الخارجية واألسواق املالية، وغيرها من املوارد املمكنة للمملكة.